.. و هكذا الكلام في الأحكام الظاهريّة التي هي مداليل الأدلة الاجتهاديّة إذا كانت مخالفة للواقع؛ فإنّها أيضا لها شأنيّة في حدّ نفسها، و المكلّف مكلّف بها قبل الاجتهاد، و بعد حصول الظن أو القطع بخلاف الواقع تتنجز، فالظن و العلم الفعلي لا يعتبر إلا في تنجزها، لا في أصل ثبوتها، فحالها حال الأحكام الواقعيّة الأوليّة.
و هذا الوجه ضعيف؛ إذ الإنصاف أنّ الأحكام الظاهريّة تحدث عند الشك الفعلي و الظن أو القطع الفعليين على خلاف الواقع، بل مدلول خبر الواحد المخالف للواقع أيضا [1] قبل العثور عليه ليس مكلّفا به، و إن كان حجّة من حيث هو، إذ حجيته إنّما تكون بمعنى وجوب العمل عليه مع فرض العثور عليه، و لذا يعاقب على ترك الواقع لو فرضنا أنّه ترك الاجتهاد و لم يعثر عليه و عمل على وجه خالف الواقع و إن وافقه [2]، و لو خالفه و وافق الواقع لا يعاقب عليه، فتأمّل!
فإنّه يمكن أن يقال: المدار على الواقع في صورة ترك العمل عليه و إن كان معثورا عليه أيضا، فليس هذا من جهة عدم تنجز التكليف به، بل من جهة طريقيّته و إنّ لازم الطريقيّة ذلك.
و كيف كان؛ فالحقّ ما ذكرنا من عدم التكليف بمفاده قبل العثور عليه، و إن لم يترتب عليه الثمر المذكور، بل لنا أن نقول لو بنينا على أنّ المدار في العقاب عليه لا على الواقع بعد العثور يمكن منعه قبله، و هو كاف في الثمرة المذكورة، و إن كان التحقيق ما ذكر من عدم كونه المدار مطلقا.
و الحاصل: أنّ الأحكام الظاهريّة- سواء كانت مؤديات الأصول أو الطرق المخالفة للواقع- ليس لها وجود واقعي، و إنّما تحدث حين العلم أو الظن أو العثور أو الشك.
الثاني: أن يقال: إنّ شركتها ليست على حدّ الواقعيّات، بل هذه تثبت أولا للمجتهد ثمّ يشترك معه المقلّد، و ذلك لما عرفت من أنّ المدار فيها الشك الفعلي و هو مختصّ بالمجتهد بعد الفحص هناك حكم مشترك أولا بحيث يكون الواجب
[1] قوله «المخالف للواقع أيضا» لا يوجد في نسخة (ب).