نام کتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة نویسنده : الشيخ أسد حيدر جلد : 4 صفحه : 507
أن أعيد التنويه بالحقائق التي لا تحتاج إلى كبير عناء في إثباتها، و في مقدمتها دور الملوك و أصحاب السلطان في تعدّد المذاهب و زرع الفرقة و الخصومة بين أبناء الأمة الواحدة. و قد ابتدأت الفكرة منذ الفترة الأولى للانحراف عن مبادئ العدل الإسلامي و الانغمار في مظاهر الملوكية و التسلّط، فكان على يد معاوية الترويج لشرعية العسف و الظلم، حيث أوجد له مؤسسات ضمّ إليها الكثير ممن تزيّا بزي العلم و الدين، و راحت هذه المؤسسات تلبّي رغبات معاوية و الحكام في إضفاء طابع الشرعية و الصبغة الإسلامية على واقع حكمهم و حقيقة سلطانهم القائم على القبلية و العصبية الجاهلية.
و بعد سقوط حكم الأمويين و قيام حكم الملوك من بني العباس في ظل و أفياء الدعوة إلى الرضا من آل محمد، أرسى الملوك العباسيون تلك الفكرة على أسس طبّقوها و نفّذوها في فترة أصبح فيها التشيّع خطرا يتهدّد الكيان العباسي.
فقد نبغت شخصية الإمام الصادق، و شاع ذكره في الآفاق، و أصبح سيد علماء الأمة و قائد حركة العلم و الفقه، فبات أمره شغل النظام الشاغل و همّه الدائم، و لمّا فشلت محاولات القضاء على حياة الإمام الصادق، و كانت آيات نجاته و حفظه من أيدي المنصور؛ التمس الدوانيقي طريقا آخر، فسنّ للعباسيين سنّة إدناء شخصية معينة ممن يتوسّم فيها الفقه، لتكون في الموضع الذي يكتسب من الحكم نفوذه و قوته، و تستعمل السياسة في أغراض التمذهب، و إخضاع العلم الديني لأغراض الدولة بحيث ترتأي الأحكام التي تأمن جانبها.
فيما كان الشيعة يمثّلون الاتجاه المناوئ، و يقفون بوجه هذه الأغراض، لأنها تستهدف النيل من مكانة الإمام الصادق، و تحاول بيأس التأثير على موقعه الروحي و شهرته العلمية، و كان الانصراف إلى الدين و العلم و الدعوة إلى التمسّك بأحكام الإسلام و التقيّد بأوامره، و اجتناب نواهيه الصفة الأساسية للصرح العلمي الذي سرت آثاره، و انتشرت أفكاره في المجتمع الإسلامي، و الذي تمثّل بمدرسة الإمام الصادق التي انتسب إليها أربعة آلاف طالب، قاموا بدورهم في رواية الحديث و بيان الأحكام و تبصير الناس و حفظ تراث الإسلام، فكان (عليه السلام): مشغولا بالعبادة عن حب الرئاسة [1]. و آثر العزلة و الخشوع [2] و الانصراف لمهمّاته الدينية.