نام کتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة نویسنده : الشيخ أسد حيدر جلد : 4 صفحه : 154
يفتي بها، و نقده الشديد للأحكام التي كان يصدرها الحكّام كانت تثير السخط عليه.
فمن ذلك أن المنصور استفتاه في الذين انتفضوا عليه من أهل الموصل، هل تحلّ له دماؤهم؟ فأجابه أبو حنيفة:
إنهم شرطوا لك ما لا يملكونه، و شرطت عليهم ما ليس لك، لأن دم المؤمن لا يحلّ إلا بثلاث. فقال له المنصور: يا شيخ، القول ما قلت، و لكن لا تفت الناس بما هو شين على إمامك.
و الحقيقة أن المنصور من خلال إصراره على تولي أبي حنيفة القضاء يكشف عن نيته في الإيقاع به، و ليس الأمر إلا العامل السياسي الذي كان يستفزّ المنصور و يجعله يقدم على قتل الناس و سفك الدماء. لذا فإن امتناع أبي حنيفة عن تولي القضاء لا يجعل المنصور يقتله هذه القتلة الشيعة، و إنما أرسل المنصور ليحضر أبا حنيفة من الكوفة ليقتله و يرتاح منه لأن أبا حنيفة كان يتعاون مع العلويين، و يساعد الثوار منهم، و يقوّي إبراهيم أحمر العينين. و كان مقام أبي حنيفة في الكوفة يؤدي إلى إثارة الرأي العام، لأنه مقبول القول عند الناس، ذو حال واسعة من التجارة. فكان المنصور يخشى من اتساع دعوة أبي حنيفة لإبراهيم و أخيه محمد، و طلبه من الكوفة إلى بغداد، و لم يجسر على قتله علنا [1].
و على الجملة فإن ميل أبي حنيفة لأهل البيت كان أمرا يبعث السلطة على العداء له و ترصّد الدوائر به. و سنأتي على مزيد من القول فيه.
يقول الأستاذ محمد أبو زهرة:
(و ننتهي من الكلام أن أبا حنيفة شيعي في ميوله و آرائه في حكام عصره، أي أنه يرى الخلافة في أولاد علي من فاطمة، و أن الخلفاء الذين عاصروه قد اغتصبوا الأمر و كانوا لهم ظالمين) [2].
و أن الشيء المهم الذي يلزم أن نقف إمامه وقفة تأمل هو: شهرة أبي حنيفة العلمية التي اكتسبت طابع الانتشار بعد موته، حتى أصبح مرجعا لملايين المسلمين،
[1] انظر: السيد عفيفي المحامي، حياة الإمام أبي حنيفة.