نام کتاب : الإمام الصادق و المذاهب الأربعة نویسنده : الشيخ أسد حيدر جلد : 1 صفحه : 539
رحل إلى مالك و تلقى عليه، ثم رحل إلى محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، و أخذ عنه كتبه و تعلم فقه العراقيين و لما عاد إلى مصر، كان مالك قد مات، فأراد أن يجمع بين الفقه المالكي و الفقه الحنفي، فأتى بالمسائل إلى أصحاب مالك الذين لازموه، فالتجأ أولا إلى ابن وهب و قال له: هذه كتب أبي حنيفة، و سأله أن يجيب فيها على مذهب مالك، فتورع ابن وهب و أبى، فالتجأ إلى ابن القاسم، فأجابه إلى ما طلب، فأجابه فيما حفظ عن مالك بقول مالك، و فيما شك من حفظه قال: أخال، و أحسب، و أظن. و منها ما كان يقول فيه بالقياس على رأي له في مثله، فكان يقول:
سمعته يقول في مسألة كذا كذا، و مسألتك مثله، و منه ما قال فيه باجتهاده على أصل قول مالك. و جمع تلك الأجوبة و سماها الأسدية.
و الأسدية هذه هي الأصل لمدونة سحنون، لأنه تلقاها عن أسد بن الفرات.
و قد تكلم بعض الناس فيها، لاشتمالها على إخال، و أظن، و أحسب. و قالوا له:
جئتنا بإخال و أظن و أحسب، و تركت الآثار و ما عليه السلف.
و لما تلقى سحنون الأسدية، ارتحل على ابن القاسم و عرضها عليه. و أسقط ما كان ظنيا، فأقبل الناس على كتب سحنون، و هجروا كتب أسد بن الفرات، و نظر سحنون بعد ذلك في كتبه بعد أن استوثق برواية ما هو رواية منها، و ما هو رأي مخرج على أصل مالك، و رتبها و زاد عليها خلاف كبار أصحاب مالك له، و ذيل أبوابها بالحديث و الآثار، فأصبحت المدونة هي الأصل الثاني للفقه المالكي [1].
و أنت ترى أن الفقه المالكي تأثر بالفقه الحنفي، و دخله الرأي من أصحاب أبي حنيفة، كما أن مالك نفسه كان يلجأ إلى الرأي، و يعمل بالقياس، كما يأتي بيانه.
ثم جاء علماء المالكية، فشرحوا المدونة و وسعوها بما علقوا عليها. فالمدونة هي مجموعة لمسائل عن مالك، و اجتهاد من تلاميذه و تلاميذ تلاميذه في وضع أحكام المسائل على قواعد مالك و مبادئه، و قد احتج سحنون لبعض مسائلها بالآثار، من روايته من موطأ ابن وهب و غيره، و بقيت منها بقية لم يتم سحنون فيها هذا العمل [2] و اتبع الناس مدونة سحنون على ما كان فيها من اختلاط المسائل في الأبواب، فكانت