و قد تقدّم في السابق بيان معاني بعض الحروف و أنّه ليس لها إلّا معنى واحد، و ليس فيها معنى المجازيّة.
ثمّ اعلم! أنّ بعض التابعين للقدماء كالتفتازانيّ و غيره لم يلتفتوا إلى حقيقة المعنى الحرفيّ كما هو هو، فتوهّموا أنّ استلزام المعنى الحرفيّ للخصوصيّة و الجزئيّة من جهة اشتراط من الواضع في وضع الحروف و المبهمات، فإنّه وضعها لامور كليّة يشترط أن لا يستعمل إلّا في جزئيّاتها [1].
و السيّد الشريف لما اطّلع على ذلك حكم بركاكته و استصوب القول الآخر [2].
و أنت خبير بأنّ هذا الاشتراط إنّما وقع في كلام من لم يتفطّن بالمعنى الحرفيّ، و المتقدّمون من الأساطين منزّهون عن مثل هذا الغلط، و قد علمت كرارا أنّ الجزئيّة و الخصوصيّة من لوازم تحقّق هذا السنخ من المعنى و هو المعنى الحرفيّ، فإنّه مرآة ملاحظة حال لفظ غيره، فما لم يتحقّق لفظ مخصوص لم يتحقّق مرآتيّته الّتي وضع الحرف لها، و ليس ذلك من جهة اشتراط الواضع، بل من جهة طبيعته و حقيقته من دون توقّفه على الاشتراط.