و ممّا ذكرنا يتّضح الجواب عن الثاني أيضا، لأنّه مبنيّ على ما توهّموه من المعنى الحرفيّ، و أمّا على ما هو الواقع و الصواب في معاني الحروف فقد عرفت.
و كذا عن الثالث؛ لأن التبادر مسلّم و لكن هو من جهة خصوصيّة في المعنى الحرفيّ؛ لعدم تصوّر وجوده مطلقا بل يتوقّف تحقّقه على الاستعمال؛ لأنّه مبيّن لجهاته، و هو لا يمكن أن يكون جزئيّا فكذلك أيضا المعنى الحرفيّ، و ذلك لا ينافي عموم الموضوع له، مثلا وضع «من» لإفضاء الحدث إلى مبدئه مطلقا أيّ حدث كان، و أيّ مبدإ كان من البصرة و الكوفة و مكّة و غيرها و لكن إفادته الإفضاء لا يمكن حتّى يفضي الحدث الخاصّ إلى المبدا الخاصّ.
و كذلك أيضا يظهر الجواب عن الرابع، لأنّ ما ذكروه شبهة منشأها تخيّل أنّ الموضوع له هو المعاني الكليّة الاسميّة، مثلا تخيّلوا أنّ الموضوع له لاسم الإشارة هو المشار إليه، و قد عرفت أنّه خيال فاسد ناشئ عن عدم التأمّل و التعمّق في كلمات أهل التحقيق من القدماء، بل الموضوع له هو الذات المبهم و لكن مع كونها مشارا إليها بذلك اللفظ الموجب لإحضارها حين الكشف عنها.
و كذلك الجواب عن الخامس؛ لأنّهم لم يفرّقوا بين الابتداء الّذي يلاحظ بالاستقلال الموضوع له لفظ الابتداء و بين الابتداء الّذي هو جهة في اللفظ و صفة حادثة فيه و ملحوظ باللحاظ الآليّ، كما مرّ بيانه.
و يظهر أيضا الجواب عن السادس؛ لأنّا قد ذكرنا أنّ الاستعمال في المعاني الجزئيّة ليس مجازا بل حقيقة، مع أنّ التصريح بثبوت المجازيّة غلط و اشتباه من المصرّح به من أهل العربيّة، و أمّا الأساطين و أهل التحقيق فلا يرون المجازيّة فيها، بل في مدخولها، كما عرفت من السكّاكيّ.