الحاصل ممّا ذكرنا، و ليس هذا مطابقاً للاستصحاب المُدّعى حُجّيته.
و أمّا كون الأخبار واردة على طبق الارتكاز العقلائيّ فممنوع غاية المنع؛ لأنَّ الظاهر من الكبرى المُتلقّاة منها أنَّ ما هو موضوع لوجوب العمل هو اليقين بالحالة السابقة و الشكّ في بقائها، من غير دخالة شيء آخر فيه، و هذا أمر تعبّديّ غير ارتكازيّ للعقلاء، كما عرفت أنَّ العلم بالحالة السابقة غير كاشف عن الحالة اللّاحقة.
و التعبير بأنَّه
(ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً)
لا يدلّ على إرجاعه إلى ارتكازه كما توهّم [1]؛ ضرورة أنَّ عدم نقض اليقين بالشكّ- في مثل الوضوء مع حصول مقدّمات النوم كالخفقة و الخفقتين، و تحريك شيء إلى جنبه مع عدم التفاته إليه، و في مثل الظنّ بإصابة دم الرعاف في من حصل له الرعاف- ليس ارتكازيّاً للعقلاء؛ لأنّهم في مثل تلك الموارد التي تكون في مظانِّ حصول منافيات الحالة السابقة يتفحّصون عنها، كما ترى أنَّه في الصحيحة الثانية يقول:
(فإن ظننت أنَّه قد أصابه و لم أتيقّن، فنظرت فلم أرَ شيئاً)
مضافاً: إلى أنَّ هذا التعبير كثيراً ما وقع في الأخبار فيما لا يكون على طبقه ارتكاز، كما يظهر بالتتبّع فيها [3] مع أنّك قد عرفت أنَّ العمل على طبق اليقين المُتعلّق بحالة مع انقلابه إلى الشكّ في حالة اخرى لا يكون ارتكازيّاً، و الحال أنَّ مفاد الروايات هو أن لا ينقض اليقين بالشكّ من حيث ذاتيهما، من غير أن يحصل وثوق أو اطمئنان بالبقاء.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنَّ دعوى أنَّ نكتة اعتبار الاستصحاب هي مطابقته لارتكاز العقلاء غير مسموعة، فمفادها أعمّ من الشكّ في الرافع و المقتضي و مخالف لما
[2]- تأتي الصحيحة كاملة في صفحة 40 و 41 من هذا الكتاب.
[3]- كقول الإمام الرضا (عليه السلام) على ما في الفقه المنسوب إليه في صفحة 111: (و كل سهو بعد الخروج من الصلاة فليس بشيء، و لا إعادة فيه، لأنّك قد خرجت على يقين، و الشك لا ينقض اليقين).