المباحث السالفة [1]، لكن يمكن أن يُدّعى أنَّ هذا الارتكاز صار موجباً لانصراف الأدلّة إلى ما يكون مرتكزاً لديهم.
و بعبارة اخرى: أنَّ الأحكام الصادرة من الشارع قد تكون تعبّدية محضة؛ لا طريق للعُقلاء لفهم سرّها، ككثير من التعبّديات، و قد تكون إرشاداً إلى طريقة العُقلاء، كأدلّة أخبار الثقة أو اليد، و قد تكون معنى متوسّطاً بينهما؛ أي لا تكون تعبّدية محضة لا يعلم العُقلاء سرّها أصلًا، و لا تكون إرشاديّة إلى ما لديهم؛ لعدم الحكم الجزميّ بينهم، لكن تكون من التعبّديات التي يكون للعقل إليها سبيل، و يكون في ارتكاز العُقلاء ما يناسبها، و هذا الارتكاز و المُناسبات المعلومة عند العُقلاء قد توجب الانصراف إلى ما ارتكز بينهم.
و ما نحن فيه من هذا القبيل، فإذا سمع العُقلاء قوله:
(كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو)
[2] يصير الأمر الارتكازيّ موجباً لانصرافه إلى ذلك، و يمنع عن فهم الإطلاق، فيكون كالقرينة الحافّة بالكلام أو ما يصلح للقرينيّة.
هذا مُضافاً: إلى أنَّ الناظر في الروايات يرى أنَّ السؤال و الجواب بين الرواة و الأئمّة (عليهم السلام) كانا ممحّضين في هذا القسم، و لا يكون الجهل بالحكم أو الموضوع في ذهنهم، فارجع إلى الروايات حتّى يتّضح صدق ما ذكرنا.
أضف إلى ذلك كلّه الشواهد الموجودة في الروايات كقوله:
(هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ)
و قوله:
(و كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ)
بل و قوله:
(قد ركعت أمضه)
. و بالجملة: مدّعي الانصراف غير مُجازف، و دعوى الإطلاق بالنسبة إلى جميع الصور في غاية الإشكال.