و قد ورد في هذا المعنى أحاديث أخر نحو قول الصادق (ع): «ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» و قول النبي (ص): «رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه و ما لا يطيقون و ما لا يعلمون ...
الحديث».
و كل ذلك يدل على العفو عن الغافل و الجاهل و عدم المؤاخذة، لا على ظن نفي الحكم الذي هو معنى البراءة الأصلية.
و يدل على أن معنى هذه الاحاديث ذلك، ما ذكره الشيخ المفيد في مسألة أملاها في تفسير الحديث المشهور: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»، قال: (الممتحن بحادث يجب عليه أن يرجع فى ذلك إلى العلماء من شيعة الامام ليعلم ذلك من جهتهم ... ثم قال- ره-:
إن كان الحادث مما لا يعلم بالسمع إباحته من حظره فانه على الاباحة إلى أن يقوم دليل سمعي على حظره، و هذا الذي وصفناه، إنما جاز للمكلف الاعتماد عليه و الرجوع إليه عند الضرورة لفقد الامام المرشد، و لو كان الامام ظاهرا ما وسعه غير الرد إليه و العمل على قوله) انتهى كلامه.
و هو يدل على أن عادم العلم بالحكم الشرعي بعد التفحص عنه غير مؤاخذ في تركه و لا مكلف به من باب الرخصة، حيث أنه بذل جهده فهو معذور عند اللّه تعالى، و لا يدل على نفي نفس الحكم بل و لا على حصول الظن بنفيه في الواقع كما هو معنى البراءة عند من يقول بها، و هذا هو المفهوم من الاحاديث الشريفة، و اللّه الموفق، إذا عرفت هذا:
فاعلم أن الحيرة قد تكون فى وجوب فعل وجودي و عدم وجوبه، أو فى حرمة فعل وجودي و جوازه- مثلا- و قد تمسك العامة و المتأخرون من الخاصة فى المقامين بالبراءة الاصلية و بعد أن نطق الكتاب با كمال الدين و صرحت