نام کتاب : اختيار مصباح السالكين نویسنده : البحراني، ابن ميثم جلد : 1 صفحه : 265
وأعدّ عديدا ، وأكثف جنودا : تعبّدوا للدّنيا أىّ تعبّد وآثروها أىّ إيثار ، ثمّ ظعنوا عنها بغير زاد مبلَّغ ، ولا ظهر قاطع فهل بلغكم أنّ الدّنيا سخت لهم نفسا بفدية ، أو أعانتهم بمعونة ، أو أحسنت لهم صحبة بل أرهقتهم بالفوادح ، وأوهنتهم بالقوارع وضعضعتهم بالنّوائب ، وعفّرتهم للمتأخر ، ووطئتهم بالمناسم ، وأعانت عليهم ريب المنون ، فقد رأيتم تنكَّرها لمن دان لها ، وآثرها ، وأخلد لها حتّى ظعنوا عنها لفراق الأبد ، وهل زوّدتهم إلَّا السّغب ، أو أحلَّتهم إلَّا الضّنك أو نوّرت لهم إلَّا الظَّلمة ، أو أعقبتهم إلَّا النّدامة أفهده تؤثرون ، أم إليها تطمئنون ، أم عليها تحرصون فبئست الدّار لمن لم يتّهمها ولم يكن فيها على وجل منها ، فاعلموا - وأنتم تعلمون - بأنّكم تاركوها ، وظاعنون عنها واتّعظوا فيها بالَّذين قالوا : * ( ( مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ) ) * حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركبانا ، وأنزلوا الأجداث فلا يدعون ضيفانا ، وجعل لهم من الصّفيح أجنان ومن التّراب أكفان ، ومن الرّفات جيران ، فهم جيرة لا يجيبون داعيا ولا يمنعون ضيما ، ولا يبالون مندبة : إن جيدوا لم يفرحوا وإن قحطوا لم يقنطوا : جميع وهم آحاد وجيرة وهم أبعاد متدانون لا يتزاورون وقريبون لا يتقاربون ، حلماء قد ذهبت أضغانهم ، وجهلاء قد ماتت أحقادهم ، لا يخشى فجعهم ولا يرجى دفعهم ، استبدلوا بظهر الأرض بطنا ، وبالسّعة ضيقا وبالأهل غربة ، وبالنّور ظلمة ، فجاؤها كما فارقوها حفاة عراة ، قد ظعنوا عنها بأعمالهم إلى الحياة الدّائمة ، والدّار الباقية كما قال سبحانه : * ( ( كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُه ، وَعْداً عَلَيْنا ، إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ) ) * [1] . أقول : مدار [2] الفصل على ذمّ الدنيا ، والتنفير عنها ، بذكر معايبها ، وما يلزمها من غاية الموت . واستعار لها لفظ الحلوة الخضرة : باعتبار زينتها ، وبهجتها ، وخصّ متعلقى الذوق والبصر اعنى : الخضرة والحلوة : لاكثريّة تأدية الحاستين المذكورتين ، الى النفس الالتذاذ بواسطتهما دون سائر الحواسّ . وراقت : أعجبت . والقليل : متاعها فى متاع الآخرة ، ووجه زينتها بالغرور : انّ ما يعدّ فيها زينة وخيرا من متاعها انّما هو بسبب الغفلة عن عاقبة ذلك وثمرته فى الآخرة . وحبرتها : سرورها . والحائلة : الزائلة . وبائدة : هالكة . والغوّالة : التي تأخذ على غرّة .