نام کتاب : كشاف اصطلاحات الفنون و العلوم نویسنده : التهانوي، محمد علي جلد : 1 صفحه : 677
فالحشو المفسد كلفظ الندى في بيت أبي الطيب:
و لا فضل فيها للشجاعة و الندى
و صبر الفتى لو لا لقاء شعوب
أي المنية يعني لا فضيلة في الدنيا للشجاعة و العطاء و الصبر على
الشدائد على تقدير عدم الموت، و هذا يصح في الشجاعة و الصبر دون العطاء فإنّ
الشجاع إذا تيقّن بالخلود هان عليه الاقتحام في الحروب لعدم خوف الهلاك، و كذا
الصابر إذا تيقّن بالدوام و بزوال الحوادث و الشدائد هان عليه الصبر على المكروه
لوثوقه بالخلاص عليه [1]
بخلاف العطاء، فإنّ الخلود يزيد في الحاجة إلى المال فيزيد فضل العطاء مع الخلود.
أقول قوله و الندى ليس بحشو كما زعموا لأنّ المال مخلوق لوقاية النفس
عن الهلاك لأنّه يتوسّل به إلى دفع الجوع الذي يفضي إلى الهلاك لأنّ البدن بسبب
اشتعال الحرارة الغريزية يتحلّل و يتجفّف، فلو لم يصل إليه بدل ما يتحلل من
المأكولات و المشروبات يشرف على الهلاك بل يهلك. و أيضا يتشبّث بالمال إلى رفع
الأمراض التي توصل إلى الإفناء لو لم يصل إليه الدواء، فلا جرم أنّ المال وسيلة
البقاء، فإذا علم الجواد أنّه يحتاج إلى المال في الحال و في المآل، و مع هذا يجود
به على الأغيار كان في غاية الفضل كما مدح اللّه تعالى الذين يبذلون أموالهم مع
احتياجهم إليها بقوله: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى
أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ[2] فلو لم يكن الموت و الرّدى لم يكن فضل للجود و الندى. و الحشو الغير
المفسد للمعنى كلفظ قبله في قول زهير بن أبي سلمى:
فأعلم علم اليوم و الأمس قبله
و لكنني عن علم ما في غد عمي
فقوله قبله صفة الأمس بتقدير الكائن قبله و هو الوصف للتأكيد و هو
حشو إذ لا فائدة في التأكيد فيه، بخلاف أبصرته بعيني و سمعته بأذني و ضربته بيدي
فإنّه يدفع التجوّز بالإبصار و السّماع عن العلم بلا شبهة، و بالضرب عن الأمر به،
فهذه إنّما تقال في مقام افتقر إلى التأكيد. و مثل هذا وقع في التنزيل نحو فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ[3] و نحو
يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ[4] و نحو وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي
الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ[5] هذا كله خلاصة ما في المطول و الأطول.
و يقول في مجمع الصنائع: و اعتراض الكلام قبل تمامه يسمّى حشوا. و
ذلك يكون بأن يأتي الشاعر ببيت من الشّعر فيبدأ بمعنى، ثم قبل الانتهاء منه يضع
كلاما يمكن اعتباره زائدا يتمّ المعنى بدونه، ثم يكمل مقصوده. و هذا النوع من
الحشو يقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- حشو قبيح: هو ما كان في أثناء الكلام و لا يعطي
فائدة تذكر، و قد يذهب بسلاسة الشعر نفسه كما في كلمة فرق مع وجود كلمة سر (رأس)
(و معناهما واحد) في هذا البيت:
أيّها الساقي هات الخمر
فإنّ رأسي و مفرقي بسبب الحاجة للخمر
يؤلماني
2- حشو متوسط: و هو إيراد كلام معترض في الجملة و هو إن كان زائدا
إلّا أنه لا يذهب بسلاسة الشعر. كما في قوله: أي آفتاب مرتبه في هذا البيت: