و هذه التزكية إنّما تحصل بأخلاق و ملكات فاضلة تكتسب بأفعال تصرّف
النفس عن البدن و عن القوى الجسمانية، و تديم ذكرها بالعالم الأعلى الذي هو معدن
النفس، فتصير القوى [1]
الجسمانية [2] مرتاضة مطيعة للنفس، لا تكون عائقة
لها عن التوجّه إلى الأمر المناسب له، و هو الاستغراق في اللّه تعالى. و إذا كانت
النفس كثيرة الرجوع إلى ذاتها و ما تذكر معالم تنفعل عن الأحوال البدنية- و تعينها [3] عليه أفعال متعينة خارجة عن العادة
مخالفة للطبيعة، مشتملة على الكلفة، كالعبادات المشروعة- فإنّها تذكّر النفس
المعبود الحقيقي و الملائكة و الآخرة، أرادت أ و لم ترد. فيقرّر فيها بذلك هيئة
الانزعاج عن البدن و يفسدها التسلّط على البدن و قواها، و لا ينفعل عنه لو جرت
عليها أحوال بدنية، لم توجب فيها هيئة و ملكة إيجابها لو كانت منقادة للبدن من كلّ
وجه، و إلى هذا المعنى أشير في الكتاب الإلهي بقوله:
إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ[4].
فالإنسان إذا واظب على هذه العبادات حصلت له ملكة الالتفات إلى جانب
الحقّ و الإعراض عن الباطل و صار شديد الاستعداد للفوز بالسعادة الحقيقية بعد
مفارقة النفس عن البدن.
و هذه الأفعال لو فعلها فاعل و لم يعتقد أنّها فريضة من عند اللّه