و معلوم أنّ الإفراط و التفريط هما مقتضيا القوى الحيوانية، و [1] إذا قويت القوى [2] الحيوانية و حصل لها ملكة استعلائية
حدثت في النفس الناطقة هيئة إذعانية و أثر انفعالي قد رسخ في النفس الناطقة من
شأنها [3] أن يجعلها قوية العلاقة مع البدن،
شديدة الانصراف إليه.
و أمّا ملكة التوسّط فالمراد منها التنزيه
[4] عن الهيئات الانقيادية، و تبقية النفس الناطقة على جبلّتها مع
إفادة هيئة الاستعلاء و التنزّه، و ذلك غير مضاد
[5] لجوهرها [6]،
و لا مائل بها إلى جهة البدن، بل عن جهته؛ فإنّ المتوسّطة مسلوب عنه [7] الطرفان
[8] دائما.
ثمّ جوهر النفس إنّما كان البدن هو الذي يغمره و يلهيه و يغفله [9] عن الشوق الذي يخصّه، و عن طلب
الكمال الذي له، و عن الشعور بلذة الكمال إن حصل له، أو الشعور بألم النقصان إن
قصر عنه؛ لا بأن النفس منطبعة في البدن أو منغمسة فيه، و لكن للعلاقة الّتي كانت
بينهما و هو الشوق الجبلي إلى تدبيره و الاشتغال بآثاره و بما يورد عليه من
عوارضه، و بما يتقرّر فيها [10] من ملكات مبدؤها البدن.