ذلك الواحد إذا لم تكن فيه كثرة يمتنع أن تصدر منه الكثرة، فيلزم أن
لا يوجد شيء إلّا عن شيء إلى [1] آخر الموجودات، و ليس الأمر كذلك؛ فلا جرم أثبت هاهنا كثرة في
المبدع الأوّل حتّى صدر عنه عقل و نفس و جرم فلك. و كذلك صدر عن ذلك العقل عقل [2] و نفس فلك إلى أن انتهت إلى العقل
الأخير الذي هو العقل الفعّال و الفلك الذي بينّا هو فلك القمر.
و إيضاح هذا الكلام و هو: أنّ هاهنا عقولا و نفوسا كثيرة العدد، و لا
يمكن أن يكون وجودها عن الواجب الوجود لذاته معا، بل يجب أن يكون أعلاها هو
المعلول الأوّل، ثمّ يتلوه عقل و عقل و عقل؛ لأنّ تحت كلّ عقل فلكا بمادّته و
صورته الّتي هي النفس و دونه، فتحت كلّ عقل ثلاثة أشياء في الوجود، فيجب إمكان
وجود هذه الثلاثة عن العقل الأوّل في الإبداع لأجل التثليث المذكور. و الأفضل
يتبع [3] الأفضل من جهات
[4] كثيرة.
فيكون إذن العقل الأوّل يلزمه عنه بما يعقل الأوّل وجود عقل تحته، و
بما يعقل ذاته وجود صورة الفلك الأقصى و كمالها و هي النفس، و بطبيعة إمكان الوجود
الحاصلة له المندرجة فيما يعقله من ذاته وجود جرمية
[5] الفلك الأقصى.