نام کتاب : المبدا و المعاد نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 98
فإمّا لأنّه فى نفسه ضعيف الوجود خسيسه شبيه بالعدم، و هذا مثل
الهيولى، و الحركة، و الزمان، و اللانهاية؛ و إمّا لأنّه شديد الظهور فيبهر
القوّة، كالضوء القوى للابصار، و هذا مثل مبدأ الكلّ و الامور العقليّة الصرفة،
فانّ كون النفس الانسانيّة فى المادّة تورثها ضعفا عن تصوّر هذه الظاهرات جدّا فى
الطبيعة فيوشك أنّها اذا تجرّدت طالعتها حقّ المطالعة و استكملت تشبّهها بالعالم
العقلىّ الذي هو صورة الكل عند البارى تعالى و فى علمه السابق لكلّ وجود بالذات لا
بالزمان.
فهذه القوّة التي تسمّى هيولانيا هو بالقوّة عالم عقلىّ من شانه أن
يتشبّه بالمبدإ الأوّل. و لمّا كان كلّ ما يخرج من القوّة إلى الفعل يخرج بسبب
مفيد له ذلك الفعل، و ينتقش صورة فى شمع عمّا ليس له تلك الصورة و يفيد شىء كمالا
فوق الذي له، فيجب أن تخرج هذه القوّة إلى الفعل بشيء من العقول المفارقة
المذكورة، إمّا كلّها، و إمّا الأقرب اليها فى المرتبة، و هو العقل الفعّال، و كلّ
واحد من العقول المفارقة عقل فعّال. لكنّ الأقرب منّا عقل فعّال بالقياس الينا.
و معنى كونه فعّالا أنّه فى نفسه عقل بالفعل، لا أنّ فيه شيئا هو
قابل للصورة المعقولة، كما هو عندنا، و شيئا هو كمال، بل ذاته صورة عقليّة قائمة
بنفسها، و ليس فيها شىء ممّا هو بالقوّة و ممّا هو مادّة البتة. فهى عقل و تعقل
ذاتها، لأنّ ذاتها أحد الموجودات. فهى عقل لذاتها و معقول، لأنّها موجودة من
الموجودات المفارقة للمادّة. فلا يفارق كونها عقلا كونها معقولا، و لا كونها هذا
العقل كونها هذا المعقول. فامّا عقولنا فيفترق فيها ذلك، لانّ فيها ما بالقوّة.
فهذا أحد معانى كونه عقلا فعّالا.
و هو أيضا عقل فعّال، بسبب فعله فى أنفسنا و إخراجه إيّاها عن القوّة
إلى الفعل. و قياس العقل الفعّال إلى انفسنا قياس الشمس إلى أبصارنا، و قياس ما
يستفاد منه قياس الضوء المخرج للحسّ بالقوّة إلى الفعل و المحسوس بالقوّة إلى
الفعل.
نام کتاب : المبدا و المعاد نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 98