نام کتاب : المبدا و المعاد نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 118
المحسوسات اعرضتا عن الخيال و جذبتا الخيال اليهما و فعلا فيه و
شغلاه عن فعله الخاصّ، فلم يكن للخيال فعل قوىّ. و الثاني فوقه، و هو العقل، فانّ
العقل لا يمكّن الخيال من الاشتغال بفعله الخاصّ، لاستعماله ايّاه آلة لنفسه
دائما، و بهذا لا يتمكن التخيّل من الاقبال على الصور غير الموجودة.
و اذا سكن فعل أحد الشيئين قوى الخيال. امّا الحسّ، فاذا تعطل فعله
عند النوم، و امّا العقل، فاذا لم تصلح الآلة لاستعماله لها لسوء المزاج. و لهذا
يتخيل الحاسّ امورا ليست، فيقوى ذلك فى خيالهم، حتّى يكون حاله حال الموجود و
المأخوذ من الحسّ. فينعكس الصور الخياليّة الى الحاسّة المشتركة فتتصوّر فيها،
فتكون كأنّها مشاهدة. فانّ الحاسّة المشتركة قد تقبل الصور من الحواسّ الجزئيّة، و
قد تقبل من الخيال و الوهم، فاذا حصلت فيها صورة و تأكّدت انعكست إلى الحواس
الجزئيّة، فصارت فيها بالحقيقة و كأنها مشاهدة من خارج.
و لو لا هذا لم يتخيّل للممرورين ما ليس. فلأنّ الحسّ شاغل للنفس بما
فى المحسوسات عن الرّجوع إلى ذاتها، و شاغل أيضا للخيال بما يورده عليه عن
الانفراد بقوّة فعله.
كان الأكثر من الناس غير متّصلين بالأنفس السماويّة فى حال اليقظة،
بل كالمحجوبين عنها. فاذا ناموا فربّما وجدوا فرصة لذلك و ربّما كان فى الخيال إذا
كان من امور سالفة او اشتغال بمحاكاة أحوال مزاجيّة، فيجذب النفس إلى باطلها و
يقطعها عمّا لها فى الطبع أن تتصل به. فان وجدت فرصة شاهدت الأحوال التي من هذا
العالم فى ذلك العالم، فربما أخذها الخيال بحالها و لم ينتقل عنها، و هذا يقبل
أيضا. ففى أكثر الأمر يأخذ الخيال و يحاكى كل ما شاهد من ذلك بأشباه و أضداد، على
ما هو فعله بالذات.
و ربّما لم يشتغل النفس بذلك بل حفظ ما رأى بعينه و ربّما اشتغل بذلك
فحفظ ما تخيّل و لم يحفظ ما رأى. ثمّ المعبّر يخمّن و يحدس أنّ هذا الخيال
نام کتاب : المبدا و المعاد نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 118