و هذه الصورة إذا كانت تجعل غيرها عقلا بالفعل بأن تكون له، فان كانت
قائمة بذاتها فهى أولى بأن تكون عقلا بالفعل، فانّه لو كان الجزء من النار قائما
بذاته لكان أولى بأن يحرق، و البياض لو كان قائما بذاته لكان أولى بأن يفرّق
البصر.
و ليس يجب للشىء المعقول أن يعقله غيره لا محالة، فانّ العقل
بالقوّة يعقل لا محالة ذاته أنّه هو الذي من شأنه أن يعقله غيره.
فقد اتّضح من هذا أنّ كلّ ماهيّة جرّدت عن المادّة و عوارض المادّة
فهى معقولة بذاتها بالفعل، و هى عقل بالفعل، و لا يحتاج فى أن تكون معقولة إلى
شىء آخر يعقلها.
و لهذا براهين مغفولة تركناها و اعتمدنا الأظهر منها، فقد ظهر إذا
أنّ الواجب الوجود بذاته يجب أن يكون معقولا لذاته و عاقلا بذاته بالفعل، و كلّ
ماهيّة مجرّدة عن المادّة فهى لذاتها جليّة؛ و مالها بذاتها فليس بالقياس إلى
غيرها فقط، بل بالقياس الى كلّ شىء، أوّلا ذاتها، ثم غيرها؛ فان لم يظهر لشىء
فلضعف قبوله لتجلّيها.
[فصل 8] فى أنّ واجب الوجود بذاته خير محض
و كلّ واجب الوجود بذاته فانّه خير محض و كمال محض، و الخير بالجملة
هو ما يتشوّقه كلّ شىء و يتمّ به وجوده. و الشرّ لا ذات له، بل هو إمّا عدم جوهر
و امّا عدم صلاح حال لجوهر، فالوجود خيريّة، و كمال الوجود خيريّة الموجود.
و الوجود الذي لا يقارنه عدم- لا عدم جوهر و لا عدم شىء للجوهر، بل
هو دائما بالفعل- فهو خير محض. و الممكن الوجود بذاته ليس خيرا محضا، لأنّ ذاته
بذاته لا يجب له الوجود، فذاته بذاته تحتمل العدم؛ و ما احتمل العدم بوجه ما فليس
من جميع جهاته بريئا من النقص و الشرّ. فاذا ليس الخير المحض إلّا
نام کتاب : المبدا و المعاد نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 10