الفصل الخامس من المقالة التاسعة فى ترتيب وجود العقول و النفوس
السماوية و الأجرام العلوية عن المبدأ الأول
قد صح لنا فيما قدمناه من القول أن الواجب الوجود بذاته واحد، و أنه
ليس بجسم و لا فى جسم و لا منقسم بوجه من الوجوه، فإذن الموجودات كلها وجودها عنه،
و لا يجوز أن يكون له مبدأ بوجه من الوجوه و لا سبب لا الذى عنه، و لا الذى فيه أو
به يكون، و لا الذى له، حتى يكون لأجل شىء، فلهذا لا يجوز أن يكون كون الكل عنه
على سبيل قصد منه كقصدنا لتكوين الكل و لوجود الكل فيكون قاصدا لأجل شىء غيره و
هذا الفصل قد فرغنا من تقريره فى غيره و ذلك فيه أظهر، و نخصه من بيان امتناع أن
يقصد وجود الكل عنه إن ذلك يؤدى إلى تكثره فى ذاته، فإنه يكون فيه حينئذ شىء
بسببه يقصد، و هو معرفته و علمه بوجوب القصد أو استحبابه أو خيرية فيه توجب ذلك،
ثم قصد، ثم فائدة يفيدها إياه القصد على ما أوضحنا قبل و هذا محال.
و ليس كون الكل عنه على سبيل الطبع بأن يكون وجود الكل عنه لا
بمعرفة، و لا رضى منه، و كيف يصح هذا و هو عقل محض يعقل ذاته؟