فيجب أن يعقل أنه يلزمه وجود الكل عنه، لأنه لا يعقل ذاته إلّا عقلا
محضا و مبدأ أولا، و إنما يعقل وجود الكل عنه على أنه مبدئه و ليس فى ذاته مانع أو
كاره لصدور الكل عنه، و ذاته عالمة بأن كماله و علوه بحيث يفيض عنه الخير، و أن
ذلك من لوازم جلالته المعشوقة له لذاتها، و كل ذات يعلم ما يصدر عنه و لا تخالطه
معاوقة مّا بل يكون على ما أوضحنا بيانه، فإنه راض بما يكون عنه، فالأول راض
بفيضان الكل عنه، و لكن الحقّ الأول إنما فعله الأول و بالذات أنه يعقل ذاته التى
هى لذاتها مبدأ لنظام الخير فى الوجود، فهو عاقل لنظام الخير فى الوجود، و أنه كيف
ينبغى أن يكون، لا عقلا خارجا عن القوة إلى الفعل، و لا عقلا منتقلا من معقول إلى
معقول، فإن ذاته بريئة عما بالقوة من كل وجه على ما أوضحناه قبل، بل عقلا واحدا
معا، و يلزم ما يعقله من نظام الخير فى الوجود أن يعقل أنه كيف يمكن، و كيف يكون
أفضل ما يكون أن يحصل وجود الكل على مقتضى معقوله، فإن الحقيقة المعقولة عنده هى
بعينها على ما علمت، علم و قدرة و إرادة. و أما نحن فنحتاج فى تنفيذ ما نتصوره إلى
قصد و حركة و إرادة حتى يوجد، و هو لا يحسن فيه ذلك و لا يصح له لبراءته عن
الاثنينية، و على ما أطنبنا فى بيانه فتعقّله
[1] علة للوجود على ما يعقله و وجوده ما يوجد عنه على سبيل لزوم لوجوده
و تبع، لا أن وجوده لأجل وجود شىء آخر غيره. و هو فاعل الكل بمعنى أنه الموجود
الذى يفيض [2] عنه كل وجود فيضانا مباينا لذاته.
[1] - متفرّع على قوله: «و على ما أطنبنا في بيانه».
[2] - قال الشيخ في «التعليقات» ص 81، «الفيض فعل فاعل دائم الفعل،
و لا يكون فعله بسبب دعاه إلى ذلك و لا لغرض إلّا نفس الفعل»، و قال في موضوع آخر
منها ص 100:
«الفيض أنما يستعمل في الباري و العقول لا غير، لأنّه لما كان
صدور الموجودات عنه على-