ليست تفعل باختيار، بل على سبيل تسخير، و سبيل ما يلزمها بالذات.
فإن كانت الطبيعة تحرك على سبيل الاستدارة فهى تحرك لا محالة: إما عن
أين غير طبيعى، أو وضع غير طبيعى، هربا طبيعيا عنه، و كل هرب طبيعى عن شىء فمحال
أن يكون هو بعينه قصدا طبيعيا إليه، و الحركة المستديرة تفارق كل نقطة و تتركها، و
تقصد فى تركها تلك النقط، و ليست تهرب عن شىء إلّا و تقصده، فليست إذن الحركة
المستديرة طبيعية.
إلّا أنها قد تكون بالطبع أى ليس وجودها فى جسمها مخالفا لمقتضى
طبيعة أخرى لجسمها، فإن الشىء المحرك لها و إن لم تكن قوة طبيعية كان سببا طبيعيا
لذلك الجسم غير غريب عنه، فكأنه طبيعته.
و أيضا فإن كل قوة فأنما تحرك بتوسط الميل، و الميل هو المعنى الذى
يحس فى الجسم المتحرك، و إن سكّن قسرا أحسّ ذلك الميل فيه كأنّه به يقاوم المسكنّ
مع سكونه طلبا للحركة، فهو غير الحركة لا محالة، و غير القوة المحركة، لأن القوة
المحركة تكون موجودة عند إتمامها الحركة و لا يكون الميل موجودا؛ فهكذا أيضا
الحركة الأولى، فإن محرّكها لا يزال يحدث فى جسمها ميلا بعد ميل، و ذلك الميل لا
نمنع أن يسمى طبيعة، لأنه ليس بنفس، و لا من خارج، و لا له إرادة أو اختيار، و لا
يمكنه أن لا يحرك، أو يحرك إلى غير جهة محدودة، و لا هو مع ذلك مضاد لمقتضى طبيعة
ذلك الجسم غريب، فإن سميت هذا المعنى طبيعة كان لك أن تقول: إن الفلك يتحرك
بالطبيعة، إلّا أن طبيعته فيض عن نفس تتجدد بحسب تصور النفس، فقد بان أن الفلك ليس
مبدأ حركة طبيعية، و كان قد بان أنه ليس قسرا فهى عن إرادة لا محالة.
و نقول: إنه لا يجوز أن يكون مبدأ حركته القريب قوة عقلية صرفة لا
تتغير