الفصل الثالث من المقالة التاسعة فى أن المحرك القريب للسماويات لا
طبيعة و لا عقل، بل نفس، و المبدأ الأبعد عقل
فنقول: إنا قد بينا فى الطبيعيات أن الحركة لا تكون طبيعية للجسم على
الإطلاق، و الجسم على حالته الطبيعية، إذ كان كل حركة بالطبع مفارقة ما بالطبع
لحالة، و الحالة التى تفارق بالطبع هى حالة غير طبيعية لا محالة، فظاهر أن كل حركة
تصدر عن طبع فمن حالة غير طبيعية، و لو كان شىء من الحركات مقتضى طبيعة الشىء
لما كان شىء من نسب الحركات باطل الذات مع بقاء الطبيعة، بل الحركة أنما تقتضيها
الطبيعة لوجود حال غير طبيعية: إما فى الكيف كما إذا سخن الماء بالقسر، و إما
بالكم كما يذبل البدن الصحيح ذبولا مرضّيا، و إما فى المكان كما إذا نقلت المدرة
إلى حيّز الهواء، و كذلك إن كانت الحركة قد تكون فى مقولة أخرى، و العلة فى تجدد
حركة بعد حركة تجدد الحال الغير الطبيعية، و تقدير البعد عن الغاية.
فإذا كان الأمر على هذه الصفة لم تكن حركة مستديرة عن طبيعة، و إلّا
كانت عن حالة غير طبيعية إلى حالة طبيعية، و إذا وصلت إليها سكنت، و لم يجز أن
يكون فيها بعينها قصد إلى تلك الحالة الغير الطبيعية، لأن الطبيعة