ثم نقول: إنا إذا فرضنا معلولا و فرضنا له علة و لعلته علة فليس يمكن
أن تكون لكل علة علة بغير نهاية، لأن المعلول و علته و علة علته إذا اعتبرت جملتها
فى القياس الذى لبعضها إلى بعض كانت علة العلة علة أولى مطلقة للأمرين، و كان
للأمرين نسبة المعلولية إليها، و إن اختلفا فى أن أحدهما معلول بمتوسط و الآخر
معلول بغير متوسط، و لم يكن كذلك الأخير و لا المتوسط، لأن المتوسط الذى هو العلة
المماسة للمعلول علة لشىء واحد فقط، و المعلول ليس علة لشىء، و لكل واحد من
الثلاثة خاصية، فكانت خاصية الطرف المعلول أنه ليس علة لشىء، و خاصية الطرف الآخر
أنه علة للكل غيره، و كانت خاصية المتوسط أنه علة لطرف و معلول لطرف. و سواء كان
الوسط واحدا أو فوق واحد، فإن كان فوق واحد فسواء ترتب ترتبا متناهيا أو ترتب
ترتبا غير متناه، فإنه إن ترتب فى كثرة متناهية كانت جملة
- إثبات المفارقات فقال:
«البرهان على أنّه مفارق أنه لو كان جسما لكان له مادّة و صورة و
كانا سببين لوجوده و ما لا سبب له لا يجب بسبب ذاته، و أنّه لو كان جسما لكانت له
ماهية و لو كانت له ماهية للزم ثلاث محالات: الأول أن المعدوم كان يلزمه الوجود أي
كان سببا لوجود ذاته. الثاني أنّ الموجود الذي لا سبب له لا يكون من لوازم تلك
الماهية فيكون معلولا صادرا عنه.
الثالث أن يكون الوجود متعلقا بتلك الماهية قائما بها و كان وجوبه
لها».
و اعلم أنّ فهم تمامية برهان الوسط و الطرف في إثبات الموجود الذي
لا سبب له مبتن على التوجه إلى أمر هو أساس ذلك البرهان، و هو أنّ علّة وجود
الشيء تكون موجودة معه، و لذا صدرّه الشيخ قبل إقامة البرهان تنبيها على عظم خطره
في البرهان فقال: «أما إنّ علة الوجود للشيء تكون موجودة معه فقد سلف لك»، و
الفارابي أيضا نبّه بذلك حيث قال: «و ذلك بعد أن توضع العلل و المعلولات موجودة
معا» فافهم و تبصّر.