نام کتاب : الشفاء - الإلهيات نویسنده : ابن سينا جلد : 1 صفحه : 363
الذي مضى في كتاب النفس، فهو لذلك يعقل الأشياء دفعة واحدة من غير أن
يتكثر بها في جوهره [1]،
أو تتصور في حقيقة ذاته بصورها [2]، بل تفيض عنه صورها معقولة، و هو أولى بأن يكون عقلا من تلك الصور [3] الفائضة عن عقليته، و لأنه يعقل ذاته [4]، و أنه
[5] مبدأ كل [6]
شيء، فيعقل من ذاته كل شيء.
و اعلم أن المعنى المعقول قد يؤخذ من الشيء الموجود، كما عرض أن
أخذنا نحن عن الفلك بالرصد و الحس صورته [7] المعقولة، و قد [8] تكون الصورة المعقولة [9] غير مأخوذة عن [10] الموجود [11]،
بل بالعكس، كما أنا نعقل صورة بنائية [12] نخترعها، ثم [13] تكون [14]
تلك الصورة المعقولة محركة لأعضائنا إلى أن نوجدها، فلا تكون وجدت فعقلناها، و لكن
عقلناها فوجدت.
و نسبة الكل إلى العقل الأول الواجب الوجود هو هذا، فإنه يعقل ذاته و
ما توجبه ذاته، و يعلم من ذاته [15] كيفية كون الخير في الكل، فتتبع صورته
[16] المعقولة صورة الموجودات على النظام المعقول عنده، لا على أنها
تابعة اتباع الضوء للمضيء [17] و الإسخان للحار، بل هو عالم بكيفية نظام الخير في الوجود [18]، و أنه عنه و عالم بأن هذه العالمية
يفيض عنها الوجود على الترتيب الذي يعقله خيرا و نظاما.
و عاشق ذاته التي هي مبدأ كل نظام، و خير
[19] من حيث هي كذلك، فيصير نظام الخير معشوقا له بالعرض، لكنه لا يتحرك
إلى ذلك عن شوق فإنه لا ينفعل منه [20] البتة، و لا يشتاق شيئا و لا يطلبه. فهذه إرادته الخالية عن نقص
يجلبه شوق و انزعاج [21]
قصد إلى غرض.