[الفصل الثّامن [فى أنّ التّجربة و القياس يتطابقان على إمكان
الإخبار عن الغيب]]
إشارة: التّجربة و القياس متطابقان على أنّ للنّفس الإنسانيّة أن
تنال من الغيب نيلا ما في حال [2] المنام، فلا مانع عن [3] أن يقع مثل ذلك النّيل في حال اليقظة إلّا ما كان إلى زوال سبيل و
لارتفاعه إمكان. أمّا التّجربة فالتّسامع و التّعارف يشهدان به [4]، و ليس أحد من النّاس إلّا و قد
جرّب ذلك في نفسه تجارب ألهمته التّصديق. أللّهم إلّا أن يكون أحدهم فاسد المزاج،
نائم قوىّ التّخيّل و الذّكر. و أمّا القياس فاستبصر فيه من تنبيهات.
التّفسير: الغرض من هذا الفصل بيان إمكان الإخبار عن الغيب على سبيل
الإجمال. و تقريره أنّ معرفة المغيبات في النّوم ممكنة، فوجب أن يكون في اليقظة
أيضا ممكنة.
أمّا [5] بيان المقدّمة الأولى فبالتّجربة [6]، و بالتّسامع
[7]. أمّا التّجربة فهى [8] أن يتّفق للإنسان أن يرى شيئا
[9] فى المنام، ثمّ وقع إمّا صريح تلك الرّؤيا، أو تعبيرها [10]. و ذلك يدلّ على ما قلناه. و أمّا
التّسامع فهو أنّ من لم يتّفق [11] له ذلك، فلا شكّ أنّه قد سمع بالتّواتر حصول هذا الأمر لخلق عظيم من
الموجودين في الوقت و الماضين [12].
أمّا بيان المقدّمة الثّانية فهو أنّه لمّا صحّ ذلك في حال [13] النّوم
[14] لم يمكن القطع على استحالته [15] حال [16]
اليقظة. بل لو قدّرنا أنّ النّاس لم يجرّبوا
[17] وقوع ذلك في النّوم، لكان استبعادهم عن حصول هذا [18] المعنى حال النّوم أشدّ من استبعادهم
عنه [19] حال
[20] اليقظة. فإنّه لو قيل لواحد: إنّ جمعا من الأذكياء [21] مع كمال عقولهم و سلامة حواسّهم و
ذكاء قرائحهم و قوّة أفكارهم و