[الفصل السادس عشر [فى بيان حال النّفوس المستعدّة للكمال]]
تنبيه: و النّفوس السليمة الّتى هى على الفطرة، و لم يفظّظها
مباشرة الأمور الأرضيّة الجاسية، إذا سمعت ذكرا روحانيّا يشير إلى أحوال
المفارقات، غشيها غاش شائق لا يعرف سببه. و أصابها
[2] وجد مبرح مع لذّة مفرّحة، يفضى ذلك بها إلى حيرة و دهش، و ذلك
للمناسبة [3]. و قد جرّب هذا تجريبا شديدا. و ذلك
من أفضل البواعث. و من كان باعثه إيّاه لم يقنع إلّا بتتمّة الاستبصار. و من كان
باعثه طلب الحمد و المنافسة [4] اقنعه ما بلغه الغرض. فهذا [5] حال لذّة العارفين.
[الفصل السابع عشر [فى أحوال النّفوس الخالية عن العلوم و الأخلاق
الفاضلة و عمّا يضادّها و هم البله]]
تنبيه: و أمّا البله فإنّهم إذا تنزّهوا، خلصوا من البدن إلى سعادة [8] تليق بهم. و لعلّهم لا يستغنون فيها
عن معاونة جسم يكون موضوعا لتخيّلات لهم. و لا يمتنع
[9] أن يكون ذلك جسما سماويّا، أو ما يشبهه. و لعلّ ذلك يفضى بهم آخر
الأمر إلى الاستعداد للاتّصال المسعد [10] الّذى للعارفين.
فأمّا التّناسخ في أجسام من جنس ما كانت فيه فمستحيل، و إلّا لا
قتضى كلّ مزاج نفسا تفيض إليه، و قارنتها النّفس المستنسخة. فكان لحيوان واحد
نفسان. ثمّ ليس يجب أن يتّصل كلّ فناء بكون، و لا أن يكون عدد الكائنات من الأجسام
عدد ما يفارقها من النّفوس، و لا أن تكون عدّة نفوس مفارقة تستحقّ بدنا واحدا
فتتّصل به، أو تتدافع عنه متمانعة. ثمّ أبسط هذا، و استعن
[11] بما تجده في مواضع أخر لنا.
التّفسير: لمّا تكلّم في أحوال النّفوس الموصوفة بالعلوم و الأخلاق
الفاضلة، أراد أن يتكلّم في