[الفصل الخامس عشر [فى بيان كيفيّة علم الواجب تعالى بذاته و بجميع
الموجودات]]
إشارة: واجب الوجود يجب أن يعقل ذاته بذاته على ما حقّق. و يعقل ما
بعده من حيث هو علّة لما بعده، منه وجوده. و يعقل سائر الأشياء من حيث وجوبها في
سلسلة التّرتيب النّازل من عنده طولا و عرضا.
التّفسير: قد دللنا [3] فى الأبواب السالفة [4] أنّه تعالى عالم بذاته و بسائر المعلومات. و الآن نريد أن نبحث عن
كيفيّة حصول تلك العالميّة له، فنقول: قد بيّنّا قبل هذا الفصل أنّ علمه تعالى
بالأشياء لا بدّ و أن يكون حاصلا له [5] بذاته [6].
فنقول: إنّه تعالى يجب أن يعلم ذاته بذاته [7]، ثمّ إذا علم ذاته، و ذاته لذاته
[8] علّة لما بعده، يجب أن يعلم من
[9] ذاته كونه [10] علّة لما بعده. و إذا علم ذلك، علم لا محالة معلوله. ثمّ يلزم من
علمه بمعلوله علمه بسائر المعلولات [11] النّازلة [12]
من عنده [13] طولا و عرضا. أمّا طولا فكالعقول
الّتى كلّ واحد منها علّة للعقل الّذى تحته. و أمّا عرضا فكما إذا صدر شيئان أو
أكثر من [14] علّة واحدة، كما يقال: إنّه صدر عن
كلّ عقل عقل و نفس و فلك معا [15].
و لقائل أن يقول: لم قلتم إنّ علمه تعالى بذاته يقتضى علمه بمعلوله؟
بيانه أنّكم إمّا أن تقولوا:
إنّ [16] علمه بذاته من حيث أنّها تلك الذّات
المخصوصة علّة لعلمه بمعلوله، أو تقولوا: إنّ علمه بذاته من حيث أنّها علّة لذلك
المعلول تقتضى علمه [17]
بذلك المعلول. و الأوّل ممنوع، فلم قلتم: إنّ علمه بذاته المخصوصة، الّتى [18] من جملة لواحقها و اعتباراتها كونها [19] علّة لذلك المعلول، تقتضى العلم