الفصل السابع و الثّلاثون [فى بيان كون المعلول الأوّل جوهرا
عقليّا، و كون سائر العقول بتوسّط ذلك العقل، و الأجسام بتوسّط تلك العقول]]
هداية و تحصيل: فقد بان لك أنّ جواهر غير جسمانيّة موجودة، و أنّه
ليس واجب الوجود إلّا واحدا فقط، لا يشارك شيئا
[5] آخر في جنس و لا نوع. فتكون هذه الكثرة من الجواهر الغير [6] الجسمانيّة معلولة. و قد علمت أيضا
أنّ الأجسام السماويّة معلولة لعلل غير جسمانيّة، فتكون هى من هذه الكثرة. و قد
علمت أنّ واجب الوجود لا يجوز أن يكون مبدءا لإثنين معا إلّا بتوسّط أحدهما، و لا
مبدءا للجسم إلّا بتوسّط. فيجب إذن أن يكون المعلول الأوّل منه جوهرا من هذه
الجواهر العقليّة واحدا. و أن تكون الجواهر العقليّة الأخر بتوسّط ذلك الواحد. و
السماويّات بتوسّط العقليّات.
التّفسير: المراد من هذا الفصل أنّه ثبت فيما مرّ القول بوجود عقول
مجرّدة، و هى ممكنة الوجود لما ثبت أنّ واجب الوجود يستحيل أن يكون أكثر من واحد.
و ثبت الآن أنّ الأجسام السماويّة معلولة لعلل
[7] غير جسمانيّة. فهذه العقول و الأجسام لا بدّ من استنادها إلى اللّه
تعالى. لكن قد ثبت في النّمط الخامس أنّ واجب الوجود يستحيل أن يصدر عنه أكثر من
معلول واحد. و ذلك المعلول الواحد لا يمكن [8] أن يكون جسما أو جسمانيّا و إلّا لكان علّة لسائر الممكنات؛ و قد
بطل ذلك. فلا بدّ و أن يكون المعلول الأوّل جوهرا عقليّا و أن يكون سائر العقول
بتوسّط ذلك العقل، و أن تكون الأجسام بتوسّط تلك العقول.