تذنيب: فجيب أن يكون الجسم المحدّد للجهات إمّا على الإطلاق محيطا،
ليس له موضع يكون فيه، و إن كان له وضع بالقياس إلى غيره؛ أو إن كان [3] ليس محيطا على الإطلاق فيكون له
موضع لا يفارقه. و لعلّه لا يكون المحدّد الأوّل إلّا القسم الأوّل. فإن كان للقسم
الثّانى وجود فيتحدّد بالأوّل موضعه، و يتحدّد به موضع الثّانى و وضعه، ثمّ يتحدّد [4] بعد ذلك جهات الحركات المستقيمة، و
يكون الأوّل إنّما يخلق به أن يكون متقدّما في رتبة الإبداع. و يكون متشابه نسبته
وضع ما يفرض له أجزاء فيكون مستديرا.
التّفسير: لمّا بيّن أنّ المحدّد لا يصحّ عليه الحركة المستقيمة رتّب
و فرّع عليه مسئلة و هى أنّه يمتنع أن يكون ذا موضع
[5] و إن كان يجب أن يكون ذا وضع. و إن كان ذا موضع لكنّه يكون ممتنع
الانتقال عن [6] موضعه. أمّا أنّه ليس بذى موضع لأنّ
الموضع [7] لفظ مرادف للمكان [8]، و المكان هو السطح الباطن من الجسم
الحاوىّ المماسّ للسّطح الظّاهر من الجسم المحوىّ؛ فالجسم الّذى لا يحيط به جسم
آخر وجب أن لا يكون له موضع.
و أمّا أنّه ذو وضع بالقياس إلى غيره فلأنّا ذكرنا فيما مضى أنّ
الوضع [9] يقال: بالاشتراك على معان كثيرة، لكنّ
المراد به ههنا الوضع الّذى [10] هو أحد المقولات العشرة، و هو الهيئة الحاصلة للجسم بسبب نسبة بعض
أجزاء ذلك الجسم إلى بعض. و نسبة تلك الأجزاء إلى أمور خارجة عنها إمّا حاوية لها،
أو محويّة فيها مثل الجلوس فإنّه صفة حاصلة يحمله الجالس
[11] لا لشىء من أجزائه،