وذلك لأنّ التنجيز مأخوذ من نجز وتمّ، وبالتالي فهو يعني أنّ الحكم الواقعي الأعم من الشرعي والعقلي لا يتمّ تأثير فعله ومتعلّقه إلّا بتوسط العلم والإحراز، فتمام ملاك التنجيز هو وصول ما يطرء عليه التنجيز ولا يكون إلّا بالعلم، ومعه سينضمّ إلى القبح الفعلي قبح فاعلي، فالعقل يدرك أنّ الجاهل حيث لم يصل له أمر المولى لا معنى لمعاقبته لأنه عاجز، ومع العجز تكون العقوبة نقصاً وقبيحة [1] وبهذا إتضح تكوينية كلّ من وجوب الطاعة واستحقاق العقوبة مع تحديد الفرق بينهما.

ثمّ إنّ وجوب المتابعة يطلق ويراد منه وجوبُ الجرى وفرضُ المقطوع به موجود ومماشاةُ القطع وترتيبُ الأثر على الإذعان وعدمُ الجحود بعده، وهذا غير وجوب الطاعة، وإنما هو عين إستحقاق العقوبة والتنجيز أو صنوه. فهو من أحكام ومحمولات وخواص القطع لا المقطوع به.

وقد يتساءل: هل إنّ وجوب الجرى المذكور وإستحقاق العقوبة من مصاديق الحسن والقبح، أو ضرورة كمال تلازم الحسن والقبح؟

فالجواب: إنّ وجوب المتابعة بالمعنى المذكور يعبّر عن نسبة الضرورة لا عن الحسن الذي يقع محمولًا، كما ذكر العلّامة وأشرنا إليه سابقاً، ولكنّا نختلف معه في طبيعة وجود هذا المدرك، حيث صنّفه إعتبارياً ونحن صنّفناه تكوينياً. وأمّا إستحقاق العقوبة فهو

[1] . [س] الفعل معدّ للكمال والنقص الدنيوي، وهو علّة للكمال والنقص الاخروي [بمعنى أنّ باطن الكمال والنقص الدنيوي كمال ونقص في النشأة الآخرة، وإنّ هناك علاقة تكوينية بين كمال ونقص الدنيا والآخرة] ومعه نتساءل أنّه لِمَ كان تأثير الفعل في الكمال والنقص في الدنيا غير مشروط بالإلتفات والعلم، وإنّ الأثر الوضعي يترتّب سواء عَلِمَ الفاعل بكمال فعله أو لم يعلم، مع أنّ الأثر الاخروي مشروط بالعلم والقبح الفاعلي وليس أثراً للكمال والنقص الدنيوي فقط؟

[ج] العقل يدرك أنّ القبح والحسن الفعلي يترتّبان مع العلم والجهل، وأمّا الأثر الاخروي فلا يترتّب إلّا مع القبح والحسن الفاعلي. وليس هذا عين المدّعى فإننا ندرك بالبداهة الفرق بين من يعلم ولا يعلم في الأثر الاخروي، وأنّه أشدّ في الحالة الاولى.