أسباب النشر والانتشار والإفشاء فتخرج الرواية عن الآحاد في طبقة صاحب المدوّنة إلى الاستفاضة والشهرة، كوسيلة للنشر والإعلام أي الوصول بها إلى درجة العلم الاشتهاري، ومن ثمّ هناك بعض الأصول التي دوّن أصحابها رواياتها بالنقل مباشرة عن المعصوم أوجب ذلك استفاضة وشهرة الرواية بالشهرة الروائيّة، وقد ذكرنا جملة من القرائن لشهرة كتب المشيخة المعروفة وجملة من الأصول، كما تبنّى ذلك غير واحد من الأساطين كالمجلسي في كتاب الأربعين والميرزا القمي في كتاب القوانين وغيرهما، إلّاأنّ الذي تقدّم هو إثبات شهرة تلك الكتب إلى أصحاب الكتب الأربعة والذي نحن في صدده الآن هو شهرة تلك الكتب إلى عهد الشهيد الثاني فضلًا عن المحقّق الحلّي وابن إدريس والقطب الراوندي والطبرسي صاحب الاحتجاج وغيرهم.

وبعبارة أخرى: ليس هذا الوجه نظير ما اعتمدناه وذكرناه في الجزء الأول [1] من تصحيح طرق المتأخرين إلى الأصول الروائيّة كطرق الراوندي وابن طاووس وابن إدريس والفاضلين وابن شهرآشوب ممّن في هذه الطبقات، بل صياغة هذا الوجه وقالبه يعتمد على إثبات شهرة الكتب المشيخة والأصول المعروفة بحيث كان اعتمادهم عليها في رتبة اعتمادهم على الكتب الأربعة بل يفوقه، فكما أنّ حال الكتب الأربعة في الاستفاضة غنيّ عن طرق الإجازة والرواية لاستفاضته وتواتره فكذلك كتب المشيخة والأصول المعروفة في تلك القرون.

وعلى ضوء شهرتها فلا يعدّ طريق المتأخّر من أصحاب الكتب المؤلّفة في الحديث أو الفقه أو التفسير أو الأدعية مرسلًا إلى صاحب كتاب المشيخة

[1] - بحوث في مباني علم الرجال/ الطبعة الثانية/ 266- 273.