و قد فرضنا على أنفسنا أن نعالج هذه المسألة بالنظر في أدلة
الطائفتين، فنفهمها فهما صحيحا، من حيث لا نحس إحساسنا المجلوب من المحيط و العادة
و التقليد، بل نتعرّى من كل ما يحوطنا من العواطف و القومية، و نقصد الحقيقة من
طريقها المجمع على صحته، فنلمسها لمسا، فلعل ذلك يلفت أذهان المسلمين، و يبعث
الطمأنينة في نفوسهم، بما يتحرّر و يتقرّر عندنا من الحق، فيكون حدّا ينتهى إليه
إن شاء اللّه تعالى.
لذلك قرّرنا أن يتقدم هو بالسؤال خطّا عمّا يريد، فأقدم له الجواب
بخطّي على الشروط الصحيحة، مؤيّدا بالعقل أو بالنقل الصحيح عند الفريقين.
و جرت بتوفيق اللّه عز و جل على هذا مراجعاتنا كلها، و كنا أردنا
يومئذ طبعها لنتمتّع بنتيجة عملنا الخالص لوجه اللّه عز و جل، و لكنّ الأيام
الجائرة، و الأقدار الغالبة اجتاحت العزم على ذلك؛ «ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي»[1].
و أنا لا أدّعي أن هذه الصحف صحف تقتصر على النصوص التي تألّفت يومئذ
بيننا، و لا أن شيئا من ألفاظ هذه المراجعات خطّه غير قلمي، فإن الحوادث التي
أخّرت طبعها فرّقت وضعها أيضا- كما قلنا- غير أن المحاكمات في المسائل التي جرت
بيننا موجودة بين هاتين الدفّتين بحذافيرها مع زيادات اقتضتها الحال، و دعا إليها
النصح و الإرشاد، و ربّما جرّ إليها السياق على نحو لا يخلّ بما كان بيننا من الاتفاق.
و إني لأرجو اليوم ما رجوته أمس: أن يحدث هذا الكتاب إصلاحا و خيرا،
فإن وفّق إلى عناية المسلمين به، و إقبالهم عليه فذلك من فضل ربي، و ذلك أرجا ما
أرجوه من عملي، إن أريد إلّا الإصلاح ما استطعتوَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا
[1]القائل الإمام السجاد عليه السّلام، إقبال الأعمال: 1/ 136، 139.