و إني لأهدي كتابي هذا إلى أولي الألباب من كل علّامة محقّق، و
بحّاثة مدقّق، لابس الحياة العلمية فمحّص حقائقها؛ و من كل حافظ محدث جهبذ حجّة في
السنن و الآثار، و كل فيلسوف متضلّع في علم الكلام، و كل شاب حيّ مثقّف حرّ قد
تحلل من القيود و تملص من الأغلال، ممن نؤمّلهم للحياة الجديدة الحرّة، فإن تقبله
كل هؤلاء و استشعروا منه فائدة في أنفسهم، فإني على خير و سعادة.
و قد جهدت في إخراج هذا الكتاب، بنحت الجواب فيه على النحو الأكمل من
كل الجهات، و قصدت به إلهام المنصفين فكرته و ذوقه، بدليل لا يترك خليجة، و برهان
لا يدع وليجة، و عنيت بالسنن الصحيحة و النصوص الصريحة، عناية أغنى بها هذا الكتاب
عن مكتبة حافلة مؤثلة بأنفس كتب الكلام و الحديث و السير و نحوها، ممّا يتّصل بهذا
الموضوع الخطير، بفلسفة معتدلة كل الاعتدال، صادقة كل الصدق، و بأساليب تفرض على
من ألمّ به أن يسيروا خلفه و هم- أعني منصفيهم- له تابعون، من أوله إلى الفقرة
الأخيرة منه، فإن ظفر كتابي بالقرّاء المنصفين فذلك ما أبتغيه، و أحمد اللّه عليه.
أما أنا فمستريح و الحمد للّه إلى هذا الكتاب، راض عن حياتي بعده،
فإنه عمل «كماأعتقد» يجب أن ينسيني ما سئمت من تكاليف الحياة الشاقّة، و هموم
الدهر الفاقرة، و كيد العدوّ الذي لا أشكوه إلّا إلى اللّه تعالى، (و حسبه اللّه
حاكما، و محمد خصيما)، و دع عنك نهبا صيح في حجراته، إلى ما كان من محن متدفقة
كالسيل الآتي من كل جانب، محفوفة بالبلاء مقرونة بالضيق و الاكفهرار، إلّا أن
حياتي الخالدة بهذا الكتاب رحمة في الدنيا و الآخرة، ترضى بها نفسي،