«يَا هَذَا! أَرَبُّكَ أَنْظَرُ [1]
لِخَلْقِهِ أَمْ خَلْقُهُ لِأَنْفُسِهِمْ؟.
فَقَالَ الشَّامِيُّ: بَلْ رَبِّي أَنْظَرُ لِخَلْقِهِ!.
قَالَ: فَفَعَلَ بِنَظَرِهِ لَهُمْ مَاذَا؟
قَالَ: أَقَامَ لَهُمْ حُجَّةً وَدَلِيلًا كَيْلَا يَتَشَتَّتُوا أَوْ يَخْتَلِفُوا، يَتَأَلَّفُهُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَهُمْ، وَيُخْبِرُهُمْ بِفَرْضِ رَبِّهِم ..»[1].
وَجَاءَ فِي عِلَلِ الْفَضْلِ عَنِ الرِّضَا (ع):
«فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ أَمَرَ اللهُ الخَلْقَ بِالْإِقْرَارِ بِالله وَبِرُسُلِهِ وَحُجَجِهِ وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ الله عَزَّ وَجَلَّ؟.
قِيلَ:
لِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّ مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْتَنِبْ مَعَاصِيَهُ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنِ ارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ وَلَمْ يُرَاقِبْ أَحَدًا فِيمَا يَشْتَهِي وَيَسْتَلِذُّ مِنَ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ، فَإِذَا فَعَلَ النَّاسُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَارْتَكَبَ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا يَشْتَهِي وَيَهْوَاهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاقَبَةٍ لِأَحَدٍ؛ كَانَ فِي ذَلِكَ فَسَادُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَوُثُوبُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَغَصَبُوا الْفُرُوجَ وَالْأَمْوَالَ، وَأَبَاحُوا الدِّمَاءَ وَالنِّسَاءَ، وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ غَيْرِ حَقٍّ وَلَا جُرْمٍ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ خَرَابُ الدُّنْيَا وَهَلَاكُ الخَلْقِ وَفَسَادُ الحَرْثِ وَالنَّسْلِ.
وَمِنْهَا:
أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكِيمٌ. وَلَا يَكُونُ الحَكِيمُ وَلَا يُوصَفُ بِالْحِكْمَةِ إِلَّا الَّذِي يَحْظُرُ الْفَسَادَ، وَيَأْمُرُ بِالصَّلَاحِ، وَيَزْجُرُ عَنِ الظُّلْمِ، وَيَنْهَى عَنِ الْفَوَاحِشِ. وَلَا يَكُونُ حَظْرُ الْفَسَادِ وَالْأَمْرُ بِالصَّلَاحِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْفَوَاحِشِ إِلَّا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالله عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعْرِفَةِ الْآمِرِ وَالنَّاهِي. فَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ بِغَيْرِ إِقْرَارٍ بِالله وَلَا مَعْرِفَتِهِ لَمْ يَثْبُتْ أَمْرٌ بِصَلَاحٍ، وَلَا نَهْيٌ عَنْ فَسَادٍ إِذْ لَا آمِرَ وَلَا نَاهِيَ.
أَنَّا وَجَدْنَا الخَلْقَ قَدْ يُفْسِدُونَ بِأُمُورٍ بَاطِنِيَّةٍ مَسْتُورَةٍ عَنِ الخَلْقِ؛ فَلَوْلَا الْإِقْرَارُ بِالله عَزَّ وَجَلَّ وَخَشْيَتُهُ بِالْغَيْبِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ- إِذَا خَلَا بِشَهْوَتِهِ وَإِرَادَتِهِ- يُرَاقِبُ أَحَدًا فِي تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، وَانْتِهَاكِ حُرْمَةٍ، وَارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ إِذَا كَانَ فِعْلُهُ ذَلِكَ مَسْتُورًا عَنِ الخَلْقِ، غَيْرَ مُرَاقَبٍ لِأَحَدٍ، وَكَانَ يَكُونُ فِي ذَلِكَ هَلَاكُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ؛ فَلَمْ يَكُنْ قِوَامُ الخَلْقِ وَصَلَاحُهُمْ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ مِنْهُمْ بِعَلِيمٍ خَبِيرٍ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى، آمِرٍ بِالصَّلَاحِ، نَاهٍ عَنِ الْفَسَادِ، وَلَا تَخْفَى
[1] أَنْظَرُ: أصوب نظرًا.
[2] الأصول من الكافي: ج 1، ص 171.