في هذه المجموعة من الآيات، لا يزال القرآن يحدثنا عن العنصرية، ومدى
ارتباطها بحب الذات والأنانية، وأنها ليست في الواقع إلا إطارا لممارسة الكفر،
بالرغم من ظاهر الإيمان فيها. والدليل على ذلك، تشبث العنصريين بالحياة وعداؤهم
لجبرائيل وميكائيل ومن ثم عداؤهم لله والرسل، هذا العداء الذي يسبب الدمار عليهم.
بينات من الآيات
[94] العنصريون في التاريخ وفي عالمنا اليوم يغلِّفون
أنانيتهم المقيتة بغطاء من القيم الزائفة، ليخدعوا الناس والبسطاء من أصحابهم.
فإلاسرائيليون قديما كانوا يدَّعون أنهم حملة الرسالة، وللمحافظة على هذه الرسالة
لابد أن يدافعوا عن ذاتهم ويعملوا في سبيل دعم الذات بأية وسيلة ممكنة. وهم اليوم
يدَّعون أنهم حملة الحضارة، (الحرية، التقدم) وعليهم أن يؤدبوا (الوحشيين) بأية
وسيلة ممكنة حتى ولو كانت هذه الوسيلة أكثر وحشية من شرائع الغاب. والاستعمار
الحديث قبلئذ كان يدَّعي أنه يحمل العمارة والحضارة إلى العالم.
ولكن هذا الخداع الذاتي سوف يذوب في وهج الحقيقة التي يذكِّرنا بها
القرآن هنا، حين يأمر هؤلاء بالموت في سبيل أهدافهم هذه .. فهل هم مستعدون لذلك؟
كلا قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمْ الدَّارُ الآخِرَةُ
عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ وأنكم
تدافعون عن قيم الله في الأرض إذن فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ
كُنتُمْ صَادِقِينَ.
[95] ولكن هل يفعلون ذلك؟ كلا وَلَنْ
يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً لأنهم يعرفون مدى الجرائم التي
اقترفوها في حياتهم وأنه ينتظرهم هنالك جزاؤهم العادل بِمَا
قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
[96] وهؤلاء ليسوا فقط لا يتمنون الموت بل بالعكس
يتشبثون بالحياة بعنف وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ
النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ إنهم أحرص على حياة، أية حياة كانت،
بُذِلٍّ أم بعز، بفقر أم بغنى، بقيم من دون قيم، بل إنهم أحرص من الكفار الذين لا
يملكون أية قيم وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ
لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ ولكن لو افترضنا أنه عمر ألف سنة فهل
يتخلص من العذاب .. كلا وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ
الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
من الجرائم وسوف يعاقبهم عليها عاجلا أم آجلا.