العالم ذرّیته، و انبتر أمر شانئه الأبتر، و انقطع ذنبه و عقبه کما ذکر [1].
دعوة زکریا ربّه:
هناک وقع دعاء زکریا ربّه- فیما حکی اللّه سبحانه: قالَ رَبِّ إِنِّی
وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّی وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَیْباً [2] موقع إعجاب و
إکبار علماء المعانی و البیان، بهرتهم لطافة صنعه و إناقة رصفه، مشتملا علی
مزایا و محاسن جمّة لا یحویها سائر الکلام. و قد تعرّض لها صاحب «الطراز» و
عدّد محاسنها درجة درجة حتی بلغ العشرة عدد الکمال. و قدّم لذلک مقدّمة
قال فیها: اعلم أنّ القرآن إنما صار معجزا لکونه دالّا علی تلک المحاسن و
المزایا التی لم یختصّ بها غیره من سائر الکلام، و لا یجوز أن تکون راجعة
إلی الدلالات الوضعیة، سواء کانت باعتبار دلالتها علی معانیها الوضعیة، أو
مجردة عنها، و قد ذهب إلی ذلک أقوام، و هو فاسد لأمرین، أمّا (أوّلا) فلأنّ
الکلمة الواحدة قد تکون فصیحة اذا وقعت فی محلّ، و غیر فصیحة اذا وقعت فی
محلّ آخر، فلو کان الأمر: فی الفصاحة و البلاغة راجعا إلی مجرّد الألفاظ
الوضعیة لمّا اختلف ذلک بحسب اختلاف المواضع، و أمّا (ثانیا) فلأنّ
الاستعارة و التشبیه و التمثیل و الکنایة من أعظم قواعد الفصاحة و أبلغها. و
إنما کانت کذلک باعتبار دلالتها علی المعانی لا باعتبار ألفاظها. فصارت
الدلالة علی وجهین: الوجه الأول: دلالة وضعیة، و هذه لا تعلّق لها بالبلاغة و الفصاحة کما مهّدنا طریقه. و ثانیهما: الدلالة المعنویة، و دلالتها إمّا بالتضمّن أو بالالتزام، و هما عقلیّان