قالُوا
یا شُعَیْبُ أَ صَلاتُکَ تَأْمُرُکَ أَنْ نَتْرُکَ ما یَعْبُدُ آباؤُنا
أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِی أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّکَ لَأَنْتَ الْحَلِیمُ
الرَّشِیدُ [1] و ربما خفی وجه مناسبة وصف نبیّهم بالحلم و الرشد- و هی
الکیاسة و وفور العقل- مع استنکارهم علیه: کیف تمنعهم صلاته و دعاؤه من
اتّباع سیرة آبائهم، و أن یتصرّفوا فی أموالهم ما یشاءون؟! فلا تتناسب-
ظاهرا- هذه الخاتمة مع مقصودهم فی ذلک المقال الاستنکاری! لکن المشکلة
تنحلّ إذا ما عرفنا أنّ مقالهم ذاک إنما قالوه علی وجه السخریة و الهزء.
قال الزمخشری: و أرادوا بقولهم: إِنَّکَ لَأَنْتَ الْحَلِیمُ الرَّشِیدُ
نسبته إلی غایة السفه و العیّ فعکسوا لیتهکّموا به، کما یتهکّم بالشحیح
الذی لا یبضّ حجره [2]. فیقال له: لو أبصرک حاتم لسجد لک! و قیل: معناه إنک
للمتواصف فی قومک بالحلم و الرشد، یعنون: أنّ ما تأمر به لا یطابق حالک و
ما شهرت به [3]. الحلم: التؤدة و الاناة، ضدّ الطیش. و الرشد: البصیرة
فی تدبیر المعاش و القدرة علی التصرّف فی الأموال وفق الاصول. فالمعنی: إن
کنت ذا حلم فکیف تمنعنا عن السیر علی منهج الآباء، و هو مقتضی العقل أن لا
یعدل الانسان عمّا جرّبته الأسلاف؟! و إن کنت رشیدا فی عقلک فکیف تمنعنا عن
التصرّف فی أموالنا حسب إرادتنا، و الناس مسلّطون علی أموالهم، یتصرّفون
فیها ما یشاءون، و هی قاعدة عقلائیة توافقت علیها العقلاء؟! و قوله تعالی:
هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ ما فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً ثُمَّ اسْتَوی إِلَی
السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ
[4](1) هود: 87. (2) یقال فی المثل: ما یبضّ حجره أی ما تندّی، من بضّ الماء بضیضا: اذا سال. (3) الکشاف: ج 2 ص 420. (4) البقرة: 29.