أمّا ظهوره بمکة و
ادعاؤه النبوّة فضروری. و کذا ظهور القرآن علی یده و تحدّیه للعرب أن
یأتوا بمثله، لأنّه صریح القرآن فی مواضع عدیدة. و أمّا أنّه لم یعارض
فلأنّه لو کان عورض لوجب أن ینقل، و لو نقل لعلم، لأنّ الدواعی متوفّرة إلی
نقله، و لأنّ المعارض لو کان لکان هو الحجّة دون القرآن، و نقل الحجّة
أولی من نقل الشبهة. و الذی یدعو الی المعارضة- لو امکنت- و نقلها هو
طلب التخلیص ممّا ألزموا به من ترک أدیانهم و مفارقة عاداتهم و بطلان ما
ألفوه من الرئاسات، و لذلک نقلوا کلام مسیلمة و الأسود العنسی و طلیحة مع
رکاکته و سخافته و بعده عن دخول الشبهة فیه. و لا یمکن دعوی الخوف من
أنصاره و أتباعه، إذا لا موجب للخوف مع ضعف المسلمین بمکة و علی فرضه فلا
یمنع نقله استسرارا، أو فی سائر البلاد النائیة کالروم و الحبشة و غیرهما،
کما نقل هجاؤهم و سبّهم و کان أفحش و کان أدعی للخوف إن کان. و إذا ثبت
أنّهم لم یعارضوه، فإنّما لم یعارضوه للعجز، لأنّ کلّ فعل لم یقع مع توفّر
الدواعی لفاعله و شدّة تداعیه علیه، قطعنا علی أنّه لم یفعل للتعذّر. و قد
توفّرت دواعی العرب الی معارضته فلم یفعلوها، و قد تکلّفوا المشاقّ من
أجله، فقد بذلوا النفوس و الأموال و رکبوا الحروب العظام و دخلوا الفتن،
طلبا لإبطال أمره، فلو کانت المعارضة ممکنة لهم لما اختاروا الصعب علی
السهل، لأنّ العاقل لا یترک الطریق السهل، و یسلک الطریق الوعر الذی لا
یبلغ معه الغرض، إلّا أن یختلّ عقله أو یسفه رأیه، و القوم لم یکونوا بهذه
الصفة. و لیس لأحد أن یقول: إنّهم اعتقدوا أنّ الحرب أنجح من المعارضة
فلذلک عدلوا إلیها. و ذلک أنّ النبی (علیه السّلام) لم یدّع النبوّة فیهم
بالغلبة و القهر، و إنّما ادعی معارضة مثل القرآن، و لم یکن احتمال حرب إذ
ذاک. ثمّ مع قیام