و
فی روایة عن ابن عباس قوله: «وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً
قَلِیلًا ... الی قوله: بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ»* [1] نزلتا
بالمدینة [2]. قلت: أمّا الآیة رقم 41 و 42 فلا دلالة فیها علی أنّ
المراد هی الهجرة الثانیة الی المدینة، بل الظاهر منها أنّها: الهجرة
الأولی الی الحبشة، کما روی ذلک عن قتادة أیضا [3] و أمّا القول بنزول ما
بعد آیة الأربعین الی آخر السورة بالمدینة فلا مستند له و سیاق الآیات أیضا
ینافیه. و أمّا الآیة رقم 95 و 96 فقیل: نزلت بشأن امرئ القیس الکندی،
کان قد غصب أرضا من عبدان الأشرع الحضرموتی. فشکاه الی النبی (صلی اللّه
علیه و آله و سلم) فأنکر امرؤ القیس، فاستحلفه فاستعظم أن یحلف کاذبا،
فنزلت الآیة [4]. و هذه القصة وقعت بالمدینة! لکن القصة لم تثبت، و لهجة
الآیة عامّة، و سیاقها یشهد بانسجامها الوثیق مع آیات قبلها، تهدف تقریعا
عنیفا باولئک المشرکین المعاندین. و ملاحظة عابرة بالآیة تجعلنا نطمئن
بأنّها مرتبطة تمام الارتباط مع الآیة رقم: 91 «وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ
اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ» توکیدا منها، و تثبیتا بموقف المؤمنین آنذاک، فلا
یشتروا بما عاهدوا اللّه علیه ثمنا بخسا: عرض هذه الحیاة الدنیا، تجاه ما
اعدلهم من عظیم الأجر و الثواب و حسن الخاتمة [5]. و أمّا آیة «وَ
إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَ لَئِنْ
صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَیْرٌ لِلصَّابِرِینَ» فقد اختلف المفسّرون فیها علی
ثلاثة أقوال: الأوّل: أنّها نزلت یوم أحد، عند ما وقف النبیّ (صلی اللّه
علیه و آله) علی حمزة و قد مثّل به، فما کان أوجع لقلبه الکریم، فقال: أما
و اللّه لامثّلنّ بسبعین، (1) النحل: 95- 96. (2) مجمع البیان: ج 6 ص 347. (3) الدر المنثور: ج 4 ص 118. (4) مجمع البیان: ج 6 ص 384. (5) راجع الدر المنثور: ج 4 ص 129.