العاجلة و یکون
الموت کالحاصل عنده، و أبصار أکثر الخلق ضعیفة مقصورة علی العاجلة لا یمتد
نورها إلی مشاهدة العواقب، کما قال اللّه تعالی: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا وَ الآخِرَةُ خَیْرٌ وَ أَبْقی [1]. و قال: کَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَ تَذَرُوْنَ الآخِرَةَ [2]. فمن
هذه مرتبته، فینبغی ان یعالج قلبه من حب الجاه بمعرفة الآفات العاجلة، و
هو یتفکر فی الأخطار التی یستهدف لها أرباب الجاه فی الدنیا فان کل ذی جاه
محسود مقصود بالإیذاء، و خائف علی الدوام علی جاهه و لا یزال فی الاضطراب و
الخوف من أن یتغیر منزلته فی القلوب. مع أن قلوب الناس أشد تغیرا و
انقلابا من القدر فی غلیانه، و هی مرددة بین الإقبال و الاعراض، فکلما یبنی
علی قلوب الخلق یضاهی ما یبنی علی أمواج البحر فانه لإثبات له. و الاشتغال
بمراعاة القلوب و حفظ الجاه و دفع کید الحساد و منع أذی الأعداء اشتغال عن
اللّه و تعرض لمقته فی العاجل و الآجل کل ذلک غموم عاجلة مکدرة للذة
الجاه، فلا یبقی فی الدنیا أیضا مرجوها بمخوفها، فضلا عما یفوت فی الآخرة.
فبهذا ینبغی أن تعالج البصیرة الضعیفة و أما من نفذت بصیرته و قوی ایمانه
فلا التفات له إلی الدنیا. فهذا هو العلاج العلمی. و أما العلاج
العملی فاسقاط الجاه عن قلوب الخلق بالأنس بضد الجاه الذی هو الخمول و یقنع
بالقبول من الخالق، و أقوی العلاج لقطع الجاه الاعتزال عن الناس و الهجرة
إلی مواضع الخمول، لا مجرد الاعتزال فی بیته فی البلدة التی هو فیها مشهور،
لأن المعتزل فی بیته فی البلدة التی هو فیها(1) الأعلی، الآیة: 16- 17. (2) القیامة، الآیة: 20- 21.