لَهُمُ الْجَنَّةَ [1]. و
لفهم هذا السر فی بذل الأموال، انقسم الناس بحسب درجاتهم فی التوحید و
المحبة ثلاثة أقسام: (قسم) صدقوا التوحید و وفوا بعهده، و لم یجعلوا قلوبهم
إلا محلا لحب واحد. فنزلوا عن جمیع أموالهم، و لم یدخروا شیئا من الدرهم و
الدینار و غیرهما من أنواع المال، و لم یتعرضوا لوجوب الزکاة علیهم، حتی
قیل لبعضهم: کم یجب من الزکاة فی مائتی درهم؟ فقال: أما علی العوام- بحکم
الشرع- فخمسة دراهم، و أما نحن، فیجب علینا بذل الجمیع. و سئل الصادق-
علیه السلام- «فی کم تجب الزکاة من المال؟ فقال: أما الزکاة الظاهرة، ففی
کل ألف خمسة و عشرون، و أما الباطنة، فلا تستأثر علی أخیک بما هو أحوج إلیه
منک». و (قسم) درجتهم دون هذا، و هم الذین أمسکوا أموالهم، و لکنهم
راقبوا مواقیت الحاجات و مراسم الخیرات، و یکون قصدهم من الإمساک الإنفاق
علی قدر الحاجة، دون التنعم، و صرف الفاضل عن قدر الحاجة إلی وجوه البر. و
هؤلاء لا یقتصرون علی إعطاء مجرد ما یجب علیهم من الزکاة و الخمس، بل یؤدون
جمیع أنواع البر و المعروف أو أکثرها و (قسم) اقتصروا علی أداء الواجب،
فلا یزیدون علیه و لا ینقصون منه. و هو أدون الدرجات و أقل المراتب، و هو
درجة العوام الراغبین إلی المال، لجهلهم بحقیقته و فائدته، و ضعف حبهم
للآخرة.
الثانی- تطهیر النفس عن رذیلة البخل،
فإنه من المهلکات- کما تقدم-، و إنما تزول هذه الرذیلة ببذل المال مرة
بعد أخری حتی یتعود إذ حب الشیء لا ینقطع إلا بقهر النفس علی مفارقته، حتی
یصیر ذلک