یمکن
أن یسلط بعض علی بعضها حتی یقمعها، فیجعل الأضعف قوتا للأقوی، إلی أن لا
تبقی إلا واحدة. ثم تقع العنایة بمحوها و إذابتها بالمجاهدة، و هو منع
القوت منها، أی عدم العمل بمقتضاها، فإنها تقتضی لا محالة آثارا، فإذا
خولفت خمدت و ماتت. مثلا البخل یقتضی إمساک المال، فإذا منع مقتضاه و بذل
المال مع الجهد و المشقة مرة بعد أخری، ماتت صفة البخل و صارت صفة البذل
طبعا، و سقط التعب و المشقة فیه. ثم العمدة فی علاجه أن یقطع سببه، و
سببه حب المال، و سبب حب المال إما حب الشهوات التی یتوقف الوصول إلیها علی
المال مع طول الأمل، إذ لو لم یکن له طول أمل و علم أنه یموت بعد أیام
قلائل ربما لم یبخل بماله، أو ادخاره و إبقاؤه لأولاده، فإنه یقدر بقاءهم
کبقاء نفسه، فیمسک المال لأجلهم، أو حبه عین المال من حیث إنه مال فیحب فإن
بعض الناس من المشایخ و المعمرین یکون له من المال ما یکفیه لغایة ما
یتصور من بقیة عمره، و تزید معه أموال کثیرة، و لا ولد له لیحتاط لأجله، مع
ذلک لا نسمح نفسه بإخراج مثل الزکاة و مداواة نفسه عند المرض، بل هو محب
للدنانیر، عاشق لها، یتلذذ بوجودها فی یده، مع علمه بأنه عن قریب یموت،
فتضیع أو تأخذها أعداؤه، و مع ذلک لا تسمح نفسه بأن یأکل منها أو یتصدق
ببعضها. و هذا مرض عسر العلاج، لا سیما فی کبر السن، إذ حینئذ یکون المرض
مزمنا و الطبیعة المدافعة له قاصرة و البدن ضعیفا. و مثله مثل من عشق شخصا
فأحب رسوله، ثم نسی محبوبه و اشتغل برسوله. فإن الدنانیر رسول مبلغ إلی
الحاجات، و هی محبوبة من هذه الحیثیة، لا من حیث أنها دنانیر، فمن نسی
الحاجات و صارت الدنانیر محبوبة عنده فی نفسها، فهو فی غایة الضلالة و
الخسران بل من رأی بین الفاضل منها عن قدر الحاجة و بین الحجر فرقا، فهو