ما
یترتب علی العلم و العمل من الابتهاجات العقلیة و اللذات الحقیقیة. و لو
حصلت لبعض المتجردین عن جلباب البدن یکون فی آن واحد و یمرّ کالبرق الخاطف. هذا
و قد ظهر من کلمات الجمیع أن حقیقة الخیر و السعادة لیست إلا المعارف
الحقة، و الأخلاق الطیبة، و الأمر و إن کان کذلک من حیث إن حقیقتهما ما
یکون مطلوبا لذاته، و باقیا مع النفس أبدا و هما کذلک، إلا أنه لا ریب فی
أن ما یترتب علیهما من حب اللّه و أنسه، و الابتهاجات العقلائیة، و اللذات
الروحانیة مغایر لهما من حیث الاعتبار، و إن لم ینفک عنهما و مطلوبیته
لذاته أشد و أقوی، فهو باسم الخیر و السعادة أولی و أخری و إن کان الجمیع
خیرا و سعادة. و بذلک یحصل الجمع بین أقوال أرباب النظر و الاستدلال، و
أصحاب الکشف و الحال، و اخوان الظاهر من أهل المقال، حیث ذهبت (الفرقة
الأولی) إلی أن حقیقة السعادة هو العقل و العلم، و (الثانیة) إلی أنها
العشق، و (الثالثة) إلی أنها الزهد، و ترک الدنیا.
فصل (لا تحصل السعادة إلا بإصلاح جمیع الصفات و القوی دائما)
اشارة
لا تحصل السعادة إلا بإصلاح جمیع الصفات و القوی دائما، فلا تحصل
بإصلاحها بعضا دون بعض، و وقتا دون وقت، کما أن الصحة الجسمیة، و تدبیر
المنزل، و سیاسة المدن لا تحصل إلا بإصلاح جمیع الأعضاء و الأشخاص و
الطوائف فی جمیع الأوقات، فالسعید المطلق من أصلح جمیع صفاته و أفعاله علی
وجه الثبوت و الدوام بحیث لا یغیره تغیر الأحوال