و
الأزمان، فلا یزول صبره بحدوث المصائب و الفتن، و لا شکره بورود النوائب و
المحن، و لا یقینه بکثرة الشبهات، و لا رضاه بأعظم النکبات، و لا إحسانه
بالإساءة، و لا صداقته بالعداوة. و بالجملة لا یحصل التفاوت فی حاله، و لو
ورد علیه ما ورد علی أیوب النبی علیه السلام أو علی برناس الحکیم، لشهامة
ذاته، و رسوخ أخلاقه و صفاته. و عدم مبالاته بعوارض الطبیعة، و ابتهاجه
بنورانیته و ملکاته الشریفة، بل السعید الواقعی لتجرده و تعالیه عن
الجسمانیات خارج عن تصرف الطبائع الفلکیة، متعال عن تأثیر الکواکب و
الأجرام الأثیریة فلا یتأثر عن سعدها و نحسها، و لا ینفعل عن قمرها و
شمسها. أهل التسبیح و التقدیس لا یبالون بالتثلیث و التسدیس، و ربما بلغ
تجردهم و قوة نفوسهم مرتبة تحصل لهم ملکة الاقتدار علی التصرف فی موارد
الکائنات، و لو فی الأفلاک و ما فیها، کما حصل لفخر الأنبیاء و سید
الأوصیاء صلوات اللّه علیهما و آلهما من شق القمر و ردّ الشمس. و قد ظهر
مما ذکر أن من یجزع بورود المصائب الدنیویة، و یضطرب من الکدورات
الطبیعیة، و یدخل نفسه فی معرض شماتة الأعداء و ترحم الأحباء، خارج عن زمرة
السعداء، لضعف غریزته و غلبة الجبن علی طبیعته، و عدم نبله بعد إلی
الابتهاجات التی تدفع عن النفس أمثال ذلک. و مثله لو تکلف الصبر و الرضا
و تشبه ظاهرا بالسعداء لکان فی الباطن متألما مضطربا، و هذا لیس سعادة لأن
السعادة الواقعیة إنما هو صیرورة الأخلاق الفاضلة ملکات راسخة بحیث لا
تغیرها المغیرات ظاهرا و باطنا. بلغنا اللّه و جمیع الطالبین إلی هذا المقام الشریف.