اعلم أن الغایة فی تهذیب النفس عن الرذائل و تکمیلها بالفضائل هو الوصول
إلی الخیر و السعادة. و السلف من الحکماء قالوا: إن (الخیر) علی قسمین
مطلق و مضاف، و المطلق هو المقصود من إیجاد الکل، إذ الکل یتشوقه و هو غایة
الغایات، و المضاف ما یتوصل به إلی المطلق. و (السعادة) هو وصول کل شخص
بحرکته الإرادیة النفسانیة إلی کماله الکامن فی جبلته و علی هذا فالفرق بین
الخیر و السعادة أن الخیر لا یختلف بالنسبة إلی الأشخاص، و السعادة تختلف
بالقیاس إلیهم. ثم الظاهر من کلام أرسطاطالیس أن الخیر المطلق هو
الکمالات النفسیة و المضاف ما یکون معدا لتحصیلها کالتعلم و الصحة، أو
نافعا فیه کالمکنة و الثروة. و أما السعادة فعند الأقدمین من الحکماء
راجعة إلی النفوس فقط، و قالوا لیس للبدن فیها حظ، فحصروها فی الأخلاق
الفاضلة، و احتجوا علی ذلک بأن حقیقة الإنسان هی النفس الناطقة و البدن آلة
لها، فلا یکون ما یعد کمالا له سعادة للإنسان. و عند المتأخریین منهم
کأرسطو و من تابعه راجعة إلی الشخص حیث الترکیب، سواء تعلقت بنفسه أو بدنه،
لأن کل ما یلائم جزءا من شخص معین فهو سعادة جزئیة بالنسبة إلیه، مع أنه
یتعسر صدور الأفعال الجمیلة بدون الیسار، و کثرة الأعوان و الأنصار، و
البخت المسعود، و غیر ذلک مما لا یرجع إلی النفس، و لذا قسموا السعادة إلی
ما یتعلق بالبدن من حیث هو کالصحة و اعتدال المزاج