و
إلی ما یتوصل به إلی إفشاء العوارف و مثله مما یوجب استحقاق المدح کالمال و
کثرة الأعوان، و إلی ما یوجب حسن الحدیث و شیوع المحمدة، و إلی ما یتعلق
بإنجاح المقاصد و الأغراض علی مقتضی الأمل، و إلی ما یرجع إلی النفس من
الحکمة و الأخلاق المرضیة. و قالوا کمال السعادة لا یحصل بدون هذه الخمسة، و
بقدر النقصان فیها تنقص. قالوا و فوق ذلک سعادة محضة لا تدانیها سعادة، و
هو ما یفیض اللّه سبحانه علی بعض عباده من المواهب، و الإشراقات العلمیة، و
الابتهاجات العقلیة بدون سبب ظاهر. ثم الأقدمون لذهابهم إلی نفی
السعادة للبدن صرحوا بأن السعادة العظمی لا تحصل للنفس ما دامت متعلقة
بالبدن، و ملوثة بالکدورات الطبیعیة، و الشواغل المادیة، بل حصولها موقوف
عنها، لأن السعادة الطلقة لا تحصل لها ما لم تصر مشرقة بالإشراقات العقلیة،
و مضیئة بالأنوار الإلهیة، بحیث یطلق علیها اسم التام، و ذلک موقوف علی
تخلیصها التام عن الظلمة الهیولانیة، و القصورات المادیة. و أما المعلم
الأول و اتباعه فقالوا إن السعادة العظمی تحصل للنفس مع تعلقها بالبدن
أیضا، لبداهة حصولها لمن استجمع الفضائل بأسرها، و اشتغل بتکمیل غیره. و ما
أقبح أن یقال مثله ناقص و إذا مات یصیر تاما، فالسعادة لها مراتب، و یحصل
للنفس الترقی فی مدارجها بالمجاهدة إلی أن تصل إلی أقصاها و حینئذ یحصل
تمامها و إن کان قبل المفارقة، و تکون باقیة بعدها أیضا، ثم المتأخرون عن
الطائفتین من حکماء الإسلام قالوا إن السعادة فی الأحیاء لا تتم إلا
باجتماع ما یتعلق بالروح و البدن، و أدناها أن تغلب السعادة البدنیة علی
النفسیة بالفعل، إلا أن الشوق إلی الثانیة، و الحرص علی اکتسابها یکون
أغلب، و أقصاها أن تکون الفعلیة و الشوق کلاهما فی