و أصناف العذاب فی الآخرة و استماع المواعظ المنذرة، و النظر إلی
الخائفین و مجالستهم، و مشاهدة أحوالهم و استماع حکایاتهم. و هذا مما
یستجلب الخوف من عذابه تعالی، و هو خوف عموم الخلق، و هو یحصل بمجرد أصل
الإیمان بالجنة و النار، و کونهما جزاءین علی الطاعة و المعصیة، و إنما
یضعف للغفلة أو ضعف الإیمان، و تزول الغفلة و الضعف بما ذکر. و أما الخوف
من اللّه بأن یخاف البعد و الحجاب و یرجو القرب و الوصال، و هو خوف أرباب
القلوب، العارفین من صفاته ما یقتضی الخوف و الهیبة، المطلعین علی سر قوله: وَ یُحَذِّرُکُمُ اللَّهُ نَفسَهُ [1]. و قوله: اتقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتهِ [2]. فالعلاج
فی تحصیله الارتقاء إلی ذروة المعرفة، إذ هذا الخوف ثمرة المعرفة باللّه و
بصفات جلاله و جماله، و من لم یمکنه ذلک فلا یترک سماع الأخبار و الآثار و
ملاحظة أحوال الخائفین من هیبته و جلاله، کالأنبیاء و الأولیاء و زمرة
العرفاء، فإنه لا یخلو عن تأثیر.
(الثالث) أن یتأمل فی أن الوقف علی کنه صفات اللّه فی حیز المحال،
و أن الإحاطة بکنه الأمور لیس فی مقدرة البشر، إذ هی مرتبطة بالمشیة
ارتباطا یخرج عن حد المعقول و المألوف. و من عرف ذلک علی التحقیق یعلم أن
الحکم علی أمر من الأمور الآتیة غیر ممکن بالحدس و القیاس، فضلا
(1) آل عمران، الآیة: 28. (2) آل عمران، الآیة: 102.