ارتکاب
مثله خلاف حکم العقل، و لو ظهر التأدی بعد إیقاعه فیکون من الثانی، أو فعل
قبیح لو ظهر أوجب الفضیحة و المؤاخذة، و إنما فعله ظنا منه أنه لا یظهر،
ثم یخاف من الظهور و المؤاخذة، و لا ریب فی أن هذا الظن ناشیء عن الجهل،
إذ کل فعل یصدر عن کل فاعل و لو خفیة یمکن أن یظهر، و إذا ظهر یمکن إیجابه
للفضیحة و المؤاخذة. و العاقل العالم بطبیعة الممکن لا یرتکب مثله، فباعث
الخوف فی الثانی هو الحکم علی الممکن بالوجوب، و فی هذا الحکم علیه
بالامتناع، و لو حکم علیه بما یقتضی ذاته أمن من الخوفین.
(الأول) تصور فناء ذاته بالکلیة
و صیرورته عدما محضا بالموت. و لا ریب فی کونه ناشئا عن محض الجهل إذ
الموت لیس إلا قطع علاقة النفس عن بدنه، و هی باقیة أبدا، کما دلت علیه
القواطع العقلیة و الشواهد الذوقیة و الظواهر السمعیة، و لعل ما تقدم یکفی
لإثبات هذا المطلوب. و مع قطع النظر عن ذلک نقول: کیف یجوز لمن له أدنی
بصیرة أن یجتمع عظماء نوع الإنسان بحذافیرهم، کأهل الوحی و الإلهام و
أساطین الحکمة و العرفان علی محض الکذب و صرف الباطل! فمن تأمل أدنی تأمل
یتخلص من هذا الخوف.