العدل فی فعل ما
لیس له شعور و لا إدراک؟ فتبا لأقوام یسندون هذه الحکم المتقنة الظاهرة و
المصالح المحکمة الباهرة إلی ما لا خبر له بوجوده و ذاته و لا بأفعاله و
صفاته.
ثم انظر إلی (أنواع الحیوانات)
و أصنافها و کثرتها و اختلافها: من الطیور و الوحوش و السباع و البهائم،
کیف هدی اللّه کل واحد منها إلی ترتیب المنزل و تحصیل القوت، و جعل ما لا
یتم معاش الإنسان بدونه من الإنعام و البهائم مأنوسا به غیر متوحش عنه، و
غیره وحشیا عنه غیر ألف به، و جعل فی کل منها من عجائب الحکم و غرائب
المصالح ما تتحیر منه العقول، فمن ذا الذی یقدر أن یحیط بعجائب خلق
العنکبوت و النحلة- بل البقة و النملة- و غرائب أفعالها مع کونها من صغار
الحیوانات، من وضع منازلها و جمیع أقواتها و ادخارها لنفسها و هدایتها إلی
حوائجها؟ فأی مهندس یقدر علی رسم بیوت النحل و العنکبوت علی هذا التناسب
الهندسی؟ و انظر کیف جعل العنکبوت بیته شبکة لیصید بها البق و الذباب. و
بالجملة: کل شخص من الحیوان أودع فیه من العجائب ما لا یمکن وصفه، و کل أحد
إنما یدرک قدر ما یصل إلیه فهمه. ثم انتقل من عالم الأرض إلی (عالم
البحر) و عجائبه من الحیوانات و الجواهر و النفائس، فإن العجائب المودعة
فیه أضعاف عجائب الأرض، کما أن سعته أضعاف سعته، و کل حیوان یوجد فی الأرض
یوجد فیه، و فیه حیوانات أخر لیس لها نظیر فی البر أصلا، و قد یوجد فیه من
الحیوانات ما عظمه بقدر جزیرة عظیمة، و کثیرا ما ینزل الرکبان علیه فیتحرک.
أو من عجائبه خلق اللؤلؤ فی صدفة تحت الماء و إنبات المرجان من صم الصخور
تحته، مع کونه علی هیئة شجر ثابتة نامیة ... و قس علیه الغیر و سائر
النفائس التی یقذفها البحر و تستخرج منه. و بالجملة عجائب البحر أضعاف
عجائب البر، و قد صنف