ذکر محاصرة قلیج أرسلان لرعبان ثم انهزامه من تقی الدین عمر

قال فی الروضتین: قال ابن أبی طی: اتصل بالسلطان صلاح الدین أن قلیج أرسلان قد طمع فی أخذ رعبان و کیسون، فلما دخل دمشق وصله رسوله یطلبهما منه و یدعی أن نور الدین بن زنکی اغتصبهما منه و أن الملک الصالح قد أنعم علیه، فاغتاظ السلطان و زجر الرسول و توعد صاحبه، فعاد الرسول و أخبر قلیج أرسلان، فغضب و سیر عسکرا إلی رعبان فحاصرها، و سمع السلطان فندب تقی الدین عمر فی ثمانمائة فارس فسار، فلما قارب رعبان أخذ معه جماعة من أصحابه مقدار مائتی فارس، و تقدم عسکره و سار حتی أشرف علی عسکر قلیج أرسلان لیلا فرآهم و قد سدوا الفضاء و هم قارون آمنون و ادعون، فقال تقی الدین لأصحابه: هؤلاء علی ما ترون من الطمأنینة و الأمن و الغفلة و قد رأیت أن نحمل الساعة فیهم بعد أن نتفرق فی جوانب عسکرهم و نصیح فیهم فإنهم لا یثبتون لنا، فأجابوه إلی ذلک فأنفذ واحدا من أصحابه إلی باقی عسکره و أمرهم أن یتفرقوا أطلابا و أن یجعل فی کل طلب قطعة من الکوسات و البوقات، فإذا سمعوا الضجة ضربوا بکوساتهم و بوقاتهم وجدوا فی السیر حتی یلحقوا به، ففعلوا ما أمرهم، ثم إنه حمل فی عسکر قلیج أرسلان و خرج أصحابه فی جوانبه، و کان عدة عسکر قلیج أرسلان ثلاثة آلاف فارس، فلما سمعوا الضجة و حس الکوسات و البوقات و شدة وقع حوافر الخیل و جلبة الرجال و اصطکاک أجرام الحدید هالهم ذلک و ظنوا أن قد فوجئوا بعالم عظیم، فلم یکن لهم إلا أن جالوا فی کواثب خیولهم عریا و طلبوا النجاة و أخذتهم السیوف فترکوا خیامهم و أثقالهم بحالها، و أکثر تقی الدین فیهم القتل و الأسر و حصل علی جمیع ما ترکوه، فلما أصبح جمع المأسورین و من علیهم بأموالهم و کراعهم و سرحهم إلی بلادهم اه.