قد مضى [3] تحقيق وجوه
«الملامسة» و أنّها كلّها عن اللّه منفيّة. و نفي إدراك الحواسّ إيّاه، على
العموم؛ لأنّها نكرة منفيّة [4] فكما انّه لا تصل إليه الحواسّ
الظاهرة فكذا لا يدركه الباطنة. و سرّ ذلك انّ الإدراك هو الإحاطة بالشيء [5] في الحقيقة وَ لا
يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً[6]، هذا من جهة المدرك؛ و أمّا من جهته سبحانه
فهو انّ المحسوس بالحواسّ لا بدّ و أن يكون جسمانيّا و هو منزّه عن الجسميّة و
لوازمها.
لعلّ المراد
من الآية، أنّ نسبته سبحانه إلى الكلّ سواء فلا يتوهّم أنّ أهل السّماء لا يعبدونه
لقربهم من كرسيّ عظمته أو لرفعة مكانهم بل هم يعبدونه و يتألّهون إليه، كما انّ
أهل الأرض يعبدونه و يتضرّعون إليه. و في الخبر: «انّ الملأ الأعلى يطلبونه كما
تطلبونه أنتم» [8]. و «الحكيم العليم» الّذي يعلم نظام الخير في الأشياء و
يضعها على وجه يؤدّيها إلى أصلها و غايتها و يترتّب على مجموعها الخير المحض و
الكمال